لكل السوريين

المياه ومستقبل الشرق الأوسط

حسن مصطفى

اليوم بتنا على أعتاب الأشهر الأخيرة من العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وفي هذين العقدين وقعت عدة صراعات نجم عنها مئات الآلاف من الضحايا والدمار، وكانت تلك الحروب تقليدية إن جاز التعبير، ولكن المحللون الاستراتيجيون يرون أن هناك احتمالات كبيرة لنشوب حروب مستقبلية بسبب المياه.

وهذا الأمر أكده السيد هانز فان جينكل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بقوله أن الحروب على المياه ستشكل تهديداً حقيقياً للأمن والسلم الدوليين.

ومصطلح حرب المياه الذي بدأ يتداوله العالم حالياً إلا أن امتداداته تعود للعديد من العقود عبر التاريخ، أما في منطقتنا فأجراس الحرب نكاد نسمع أصواتها، فتركيا يبدو أنها شرعت بها وبالتواطؤ مع إيران وأثيوبيا، فبالنسبة للعراق فإنه يتعرض اليوم لحرب مياه حقيقية، وقد تأثر قطاعه الزراعي وثروته الحيوانية، فمخزونه الاستراتيجي من المياه يعاني من نقص وتراجع كبيرين بعد أن قطعت إيران مياه نهر الزاب الأسفل مما أثر كثيراً على منسوب المياه في سد دوكان.

أما نهري دجلة والفرات فهما ايضاً في حالة تناقص مستمر، بعد أن باتت المياه تستخدم ورقة للضغط السياسي على بغداد للحصول على المزيد من المكاسب والامتيازات، وهذا الأمر تسبب في القضاء على آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية وخروجها من الاستثمار، مما تسبب بهجرة الآلاف من الفلاحين لقراهم ومزارعهم، فخسارة العراق لمليار متر مكعب من المياه يؤدي لخروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من الخدمة.

وذات الأمر ينسحب على الوضع في سوريا، حيث قيام تركيا بحجز مياه نهر الفرات بحجة السدود داخل الأراضي التركية تسبب في انخفاض منسوب المياه في سد الفرات، مما أدى لتراجع إنتاج عنفات السد من الطاقة الكهربائية عدا عن تناقص المياه في قنوات الري وهذا الأمر له منعكسات على الوضع الاقتصادي.

أما جمهورية مصر والسودان فإنهما تعرضا لذات الابتزاز والتعدي على حقوقهما في مياه نهر النيل، بعد أن أقدمت الحكومة الاثيوبية على بناء سد النهضة الذي تسبب في خلافات كبيرة بين تلك الدول، وكاد أن يتسبب بوقوع حرب بالنظر للأضرار الجسيمة التي ستلحق بالزراعة والاقتصاد في كل من مصر والسودان، وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق يؤمن حقوق الدول المتشاطئة لهذا النهر فإن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات.

من كل ما سبق يتأكد لنا تلك المخاوف والهواجس التي كانت تعترينا تجاه حجم الاستهداف الذي تتعرض له منطقتنا وفق مخطط مدروس ومعد منذ عقود، وخاصة في مجال المياه فقد ورد عن القادة الاسرائيليين تصريحات كثيرة في ذات الموضوع وكان أهمها ما أباح به رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن في العام 1956 حين قال: على إسرائيل أن تتنفس من ثلاث رئات في تركيا واثيوبيا وإيران، وهذا يفسر بوضوح لا يدع مجالاً للشك طبيعة المؤامرات التي استهدفت ولاتزال منطقتنا منذ عقود، الأمر الذي يحتم علينا أن نحسن التفكير والتدبير وأن نعمل على أن نكون فاعلين ومؤثرين فيمن حولنا لا منفعلين ومتأثرين بما يخطط ويدبر لنا الآخرون.