لكل السوريين

فضّلت عمل أطفالها على حساب العلم.. نازحة تجابه ظروفا قاسية، والسبب الحرب المهلكة

السوري/ الرقة ـ أكثر ما تخشاه المرأة على صغارها الجوع، الألم، في المقابل تبحث له عن مستقبل تأمل أن يكون جيدا، لكن في سوريا، وبعد سنوات من الحرب أهلكت كل ما فيها بات تفكير الأم الوحيد هو أن تسلم على ابنها من شر قد يحدق به.

نتيجة للظروف الراهنة؛ لا تزال الأمهات السوريات تواظب على القيام بأدوار كثيرة، ولا سيما الأرامل، حيث أن التحديات القاسية التي تواجهها جعلتها وجها لوجه مع واقع قاس.

أمل يوسف قدوري أم أحمد، نازحة من دير الزور، تقيم في الرقة، عانت ما عانته من جراء الأزمة السورية، حتى وصل بها الحال لتجد نفسها مسؤولة عن أربعة أطفال أكبره يبلغ 15 عاما، وزوجها المقعد منذ ثلاثة سنوات نتيجة إصابته بمرض في كليتيه، جعله يعجز عن العمل ليؤمن قوت أطفاله.

تقول أم أحمد “ليس لدي شهادة تعليم حتى أحصل على وظيفة، أطفالي صغار ولست قادرة على الاعتماد عليهم في أعمال من شأنها أن تؤمن لنا مردودا ولو بشكل بسيط”.

وتضيف “المتطلبات اليومية تحتاج إلى مال لكي تسد حاجات البيت، أرسلت ابني للعمل في مطعم فلافل، والحمدلله أن المطعم قبله، وبينما هو في عمله وإذ به جاء إلى المنزل باكرا، فقلت له ما بالك، فأجابني بأنه قطع اصبعه”.

تفاجأت أم أحمد بعد يومين من حادثة قطع إصبع ابنها بأن صاحب المطعم فصله من العمل، لتزداد المعاناة، فالطفل الذي هو بالأساس يشد مشقة في العمل، أصبح الآن عاجزا عن العمل في بعض الأعمال، ولا يوجد غيره معيل للأسرة.

بحثت السيدة التي تبلغ من العمر عن عمل لابنها الثاني الذي يصغر أخاه الأكبر بعام ونصف، ووفقت في إيجاد عمل له، لكن العمل شاق قياسا بعمره الصغير.

ذهبت أم الأطفال الأربعة وزوجة الرجل المريض لإحدى ورش الاسمنت، وبعد عناء ورجاء قبل صاحب الورشة بتشغيل الطفل، لكن السؤال هل يستطيع الطفل الاستمرار في العمل، كل يوم يذهب للعمل في العتالة، الطفل الصغير أصبح عتالا، ومهمته نقل أكياس الاسمنت إلى طوابق الأبنية التي تعمل فيها الورشة.

ورغم الشقاء إلا أن الطفل لا يزال متشبثا بعمله، وكل يوم عند عودته من العمل يشتكي لامه من التعب الشديد الذي حل بظهره، وعن هذا تقول أمل “أعرف أنه متعب ولكننا مجبورون، فكل شيء غال، وأخاه الأكبر لم يعد قادرا على العمل، وكل صباح أجول الشوارع باحثة له عن عمل أخف شقاء من عمله الحالي، وحتى اللحظة لم أجد”.

اضطرت أم أحمد للبحث بنفسها عن عمل، تعين بها أطفالها لمواجهة المتحديات الصعبة، وانتهى بها الحال للعمل في غسيل السجاد، ومع أن المردود ضئيل إلا أنها تجد فيه راحة قياسا بعمرها.

البيت الذي تقطنه العائلة المكونة من ستة أشخاص لا يقي حر الصيف ولا برد الشتاء، فهي تقطن في ملحق بناء مدمر في أحد أحياء مدينة الرقة، وعبرت عن تخوفها من قدوم فصل الشتاء، فالصيف بحسب ما روت لمراسلتنا يمكن مجابهته، لكن برد الشتاء لا يمكنها أن تجابهه.

الأمر الأكثر حسرة لدى أمل هو عدم إرسال أطفالها إلى المدرسة، فهي تعلم أنها إذا أرسلتهم إلى التعليم لن يبقى لها أي مردود، فاضطرت لئن تبقيهم في عملهم.

كل صباح ومع عودة التلاميذ للمدارس، تشاهد أمل الأطفال وهم فرحين بالذهاب كل صباح، ويخيل لها أن أبنائها معهم، لكن قسوة الحياة هي من جعلتها تولي الأهمية للمعيشة على حساب التعليم.

تقرير/ عبير العلي