لكل السوريين

نساء ريف حلب نمط حياة متباين لعطاء لا ينضب

في قرى ريف حلب، حيث تمتد الحقول وتتناثر البيوت بين بساتين الزيتون والقمح، تعيش المرأة حياة لا تشبه سواها. تحمل في يديها تعب الأرض، وفي قلبها همّ الأسرة، وتبني بصمت مجتمعاً ينهض من رماد الأزمات. بين المواشي، والزراعة، والتعليم، تتعدد أدوار المرأة الريفية، لكنها تشترك جميعاً في قوة الإرادة وصبر الحياة.

في قرية بزاعة، التقت صحيفة “السوري” بـ أم وسيم، سيدة خمسينية تعمل في تربية المواشي منذ أكثر من عشرين عاماً. تقول بابتسامة ممزوجة بملامح التعب: “أنا مسؤولة عن أكثر من عشرين رأس غنم. أستيقظ قبل طلوع الشمس لحلبها، أطهو اللبن وأصنع الجبن واللبنة. هذا عملي وعملي هو حياتي. حتى أولادي كبروا وتعلموا من هذا التعب.” ورغم الحرب التي عصفت بالريف في السنوات السابقة، لم تترك أم وسيم أغنامها يوماً، بل تمسّكت بها لأنها مصدر رزقها الوحيد.

أما أمينة، شابة في الثلاثين من عمرها من قرية تل الضمان، فهي تعمل في زراعة القمح والبقوليات. تقول: “بعد أن سافر أخي وزوجي بحثاً عن عمل، أصبحت الأرض مسؤوليتي. أزرع وأحصد واتحمل كافة الأعباء. صحيح أن الزراعة صعبة، لكنها تُشعرني بالفخر. المرأة في الريف ليست ضعيفة، بل هي قلب الأرض النابض”.

من طرف آخر، نجد حنان، وهي معلمة في مدرسة ثانوية بإحدى قرى ريف حلب الشرقي. تسرد تجربتها بالقول: “التدريس في الريف ليس سهلاً. أغلب الطالبات يأتين من بيوت بسيطة، وبعضهن يساعدن أمهاتهن في الحقول بعد الدوام. أحاول أن أكون أكثر من معلمة لهن، أريد أن أزرع فيهن الثقة بأن العلم يفتح الأبواب.” حنان ترى في التعليم أداة لتحرير المرأة الريفية من قيد الحاجة، وتقول إن كثيراً من الطالبات يرغبن بأن يصبحن معلمات مثلها. كما قالت إنه لا يوجد هيئات تهتم بحياة المرأة في الريف وتبين أهميتها في المجتمع منتقدة الدور الحكومي في إهمال حياة المرأة الريفية.

وتُجمع هؤلاء النساء على أن حياة الريف صعبة، لكنها غنية بالمعنى والكرامة. المرأة هناك لا تملك الكثير من الموارد، لكنها تملك ما هو أهم: العزيمة والرضا والصبر. ومن المواشي إلى الزراعة إلى التعليم، تبقى المرأة في ريف حلب ركيزة أساسية في حياة الأسرة، وشريكة في بناء المجتمع.

رغم الظروف الصعبة التي يعانين منها في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تظل النساء في ريف حلب نموذجاً حياً على القوة والصبر، ويواصلن العمل في مجالاتهن المختلفة من أجل بناء مجتمعهن، دون انتظار إشادة أو اعتراف.