لكل السوريين

رفع الضرائب على مصانع الأدوية ينذر بتنامي السوق السوداء وتوقف الإنتاج

دمشق/ مرجانة إسماعيل

تشهد أوساط أصحاب معامل الأدوية والمختصين في القطاع الصحي، حالة من القلق والاستياء، بسبب استمرار تطبيق قرار سابق أصدره وزير الصحة في حكومة تسيير الأعمال السورية السابقة، ماهر الشرع، في شهر آذار الماضي، بشأن زيادة الرسوم على الخدمات الطبية والصناعات الدوائية المحلية.

القرار تضمّن رفع الرسوم على الخدمات المقدمة من قبل الوزارة، المتعلقة بشكل مباشر بالصناعات الدوائية المحلية، واعتمد الدولار الأميركي كعملة للدفع أيضا، مما يزيد من أعباء الشركات المحلية التي تتعامل بموارد داخلية بالليرة السورية، وهو ما دفع المهتمين بالقطاع المطالبة بإلغائه.

يحمل قرار الوزير السابق أعباء إضافية قد تهدد استمرارية الإنتاج الدوائي الوطني، كما يؤثر بشكل مباشر على المرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة أو مستعصية.

يأتي ذلك في وقت يعيش فيه القطاع الصحي في سوريا وضعًا كارثيًا، حيث تعاني المستشفيات الحكومية في دمشق من انهيار متسارع في الخدمات الطبية، وسط نقص حاد في الأدوية والمعدات.

على سبيل المثال رسم تجديد ترخيص معمل دوائي تغير وأصبح 1500 دولار بعد أن كان 200 ألف ليرة سورية فقط، بينما أصبح رسم ترخيص مستحضر دوائي محلي 750 دولاراً مقارنة بـ 30 ألف ليرة سابقاً.

وينتج أصغر معمل دوائي محلي حوالي 70 صنفًا دوائيا، ووفقا للرسوم الجديدة، سيضطر أصحاب تلك المعامل لتسديد ما لا يقل عن 60 ألف دولار لتجديد وتحديث التراخيص، أي ما يعادل 720 مليون ليرة سورية وفقاً لسعر صرف الدولار الرسمي البالغ 12 ألف ليرة، بعد أن كانت هذه الرسوم لم تتجاوز سابقا حاجز الـمليوني ليرة سورية.

وتُعد العاصمة دمشق إحدى أبرز المحافظات السورية التي تنتج الأدوية، وتصل نسبة الإنتاج إلى 40 بالمئة من الإنتاج الدوائي السوري و93 بالمئة من الاستهلاك المحلي للصناعات الدوائية.

وحذر أصحاب المعامل من التكاليف المرتفعة وانعكاسها على تكلفة الإنتاج، وبالتالي على سعر الدواء المحلي في السوق، ما سيؤثر سلبًا على المواطنين وبشكل خاص أصحاب الأمراض المزمنة والمستعصية، الذين يعتمدون على أصناف باهظة الكلفة وضعيفة الربح.

ونبّه أيضًا إلى أنه مع استمرار الضغط على الصناعة الدوائية المحلية عبر الرسوم المالية والضريبية متمثلة في ضريبة الدخل التي تتراوح بين 33 إلى 35 بالمئة، إضافة إلى الجمركية من خلال رسوم تصدير مستحدثة تصل إلى 6 بالمئة من قيمة فاتورة التصدير، تصبح استدامة الإنتاج المحلي لبعض الأصناف الدوائية محل شك، ما سيدفع المرضى إلى اللجوء إلى البدائل المستوردة ذات الأسعار المرتفعة أو إلى الأدوية المُهرّبة، والتي تفتقر في كثير من الأحيان إلى معايير الجودة والمأمونية، ما يشكل خطرًا مضاعفًا على الصحة العامة.

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، تم طرح مطالب جوهرية خلال اجتماع لمديرية الرقابة الدوائية مع المجلس العلمي للصناعات الدوائية، تهدف إلى دعم الصناعة المحلية، من بينها تخفيض الرسوم ‏على المواد الأولية الداخلة في إنتاج الأدوية والتحاليل المخبرية، ورسوم ‏ترخيص الأصناف، وتشجيع التصدير، وإعادة تأهيل المعامل التي تعرضت ‏للتدمير.

وعلى الرغم من الوعود بدعم الاكتفاء الذاتي من الأدوية وتعزيز الجودة، عن لسان مدير مديرية الرقابة الدوائية في وزارة ‏الصحة، الدكتور إبراهيم الحساني، إلا أنه جاءت قرارات وزير الصحة بحكومة تسيير الأعمال، لتكون ضربة قاسية لكل تلك التطلعات، حيث لم تسهم سوى بزيادة العبء المالي، دون أي مبرر فني أو اقتصادي معلن.

وتواجه الصناعة الدوائية السورية، ظروفًا صعبة منذ اندلاع الثورة ضد نظام الأسد في عام 2011، ما يجعلها في حاجة إلى الدعم المباشر.

وطالب تجار بإلغاء القرار وفتح حوار موسع مع أصحاب المعامل والمجلس العلمي للصناعات الدوائية لوضع آليات عادلة تراعي ظروف الإنتاج المحلي، ودعم المواد الأولية عبر تخفيض الرسوم الجمركية، وتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير.

كما طالبوا بتحسين دور المجلس العلمي للصناعات الدوائية، وإعادة تقييم تشكيلته ومهامه، وأن يُعاد تشكيله انتخابًا بعد المتغيرات الأخيرة في الواقع السوري المحلي، بما يضمن تحقيق نتائج ملموسة وإيجابية تصب بمصلحة أصحاب المعامل والمرضى والدولة معًا.

القطاع الإنتاجي الدوائي يعد من القطاعات التصديرية الهامة التي كسبت ثقة الكثير من أسواق التصدير خلال العقود الماضية، ما يعني أن هناك فرصة لزيادة العائدات من القطع الأجنبي.

واستطاعت مصانع الأدوية على مدار فترة سنوات الحرب أن تحقق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض، بل أيضًا حققت عائدًا للاقتصاد والخزينة العامة السورية.

لكن زيادة الضرائب على مصانع الأدوية تعتبر بمثابة رسالة للمستثمرين تفيد بأن تأسيس أي مصنع جديد في سوريا سيتعرض إلى خسائر مستقبلية بفعل الضرائب المالية غير المحددة في دراسة الجدوى الاقتصادية، وهو ما يعني التواجد في ظل مناخ استثماري غير مناسب.

ثم إن رفع تكاليف الإنتاج لمصانع الأدوية، يصب في مصلحة المستورد الذي يريد استيراد الدواء وخاصة من تركيا، رغم أن هؤلاء ينتظرون فرصة مناسبة للقضاء على الصناعة الوحيدة المنافسة للمستوردات.

ويعاني قطاع إنتاج الدواء السوري، أزمة حقيقية فقد انخفض خلال عدة سنوات من 91 بالمئة خلال عام 2010 إلى 30 بالمئة خلال عام 2014، وفقًا لتقارير وزارة الصحة في حكومة نظام الأسد آنذاك.

وتعرضت الأدوية السورية خلال العقد الماضي للانقطاع من الأسواق، نتيجة توقف المعامل والمصانع عن العمل لأسباب أمنية، وتعرُض بعضها للقصف والدمار من نظام الأسد وخروجها عن الخدمة بالكامل، ما تسبب في خلق أزمة دوائية في مختلف المناطق السورية.