لكل السوريين

دراسات أكاديمية.. وسائل التواصل الاجتماعي تزيد حالات الطلاق وتفكك الأسرة

تحقيق/ أ ـ ن

وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أقصر الطرق إلى الطلاق والانفصال بين الزوجين، هذا ما خلص إليه عدد من الدراسات الحديثة، أبرزها دراسة أجرتها الأكاديمية الأمريكية لمحامي الطلاق، وأخرى نشرتها صحيفة الإندبندنت نقلا عن جمعية المحامين الإيطالية، ويأتي موقع فيسبوك والمسنجر في صدارة كافة المواقع والانيستغرام والواتس اب، اذ تعد المسؤولين عن ارتفاع نسب الطلاق العالمية، وتشير الإحصائيات إلى أن 50%من حالات الطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية سببها المباشر هو وسائل التواصل الاجتماعي، وهي السبب في 40% من حالات الطلاق في إيطاليا، وذلك لسهولة الاتصال بين الرجال والنساء وارتفاع نسب خيانة الأزواج، ومن المعروف إن بداية الخيانة تكون عادة من خلال رسائل نصية قصيرة عبر فيسبوك والماسينجر ثم تتطور العلاقة وصولا إلى واتساب والانيستغرام ، حيث يتبادل الطرفان الصور، وبعد ذلك تحدث الخيانة.

لقد أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على صحة العلاقات الأسرية وقوتها ومدى متانة الروابط الاجتماعية والزوجية في طرطوس وريفها، ويعتقد البعض أنها باتت من أكثر أسباب الانفصال والخلافات الاجتماعية، فكما لوسائل التواصل الاجتماعي إيجابيات، لها أيضا سلبيات كثيرة، أن وسائل التواصل الاجتماعي من حيث المبدأ انطلقت لأهداف ولعل استهدافها لبلادنا في مختلف المناطق السورية وعلى راسها الساحل السوري، أدت إلى استهداف مبادئ الأخلاق التي تربت عليها مجتمعاتنا فاستهدفت الفرد ضمن الأسرة والعائلة، فكان لها الأثر السلبي في القضايا الأخلاقية والعلاقات الزوجية إذ لا يمكن مقارنة الواقع المعيشي مع التسويق لعلاقة تقوم على التمثيل والخداع وليست حقيقية، حيث أن أثرها السلبي وحالات الطلاق ازادت بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وببساطة حيث ان الخيرين والمرشدين والافاضل يوصون بالتقليل من قضاء الأوقات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أن الإفراط في استخدامها يؤدي إلى الشعور بعدم الاكتفاء الزوجي، الأمر الذي قد يزيد وتيرة المشاكل الزوجية، ورفع من احتمالات الطلاق.

ساهمت مواقع التواصل في ظهور ثقافات ولغات وكلمات وسلوكيات ومصطلحات كانت تبدو غريبة على مجتمعاتنا السورية ومنها الساحلية، وأصبح من السهل على الرجال والنساء التحدث إلى بعضهم البعض بلا حواجز أو وسائط وبلغات وكلمات مختلفة، حيث برزت مشكلات تحمل تناقضات غريبة وتباينا مختلفة، فقد يعكر صفو حياة هادئة وجميلة بين زوجين أن أحدهما استسهل الحديث والمزاح مع اخرين في الفضاء الإلكتروني المجهول، وما لم يكن ممكنا التلفظ به في الحياة الحقيقية أصبح سهلا عبر لوحة المفاتيح، فمن خلف هذه الشاشات يتجرأ الكثيرون وكأنهم يتخلصون في العالم الافتراضي من شخصياتهم الرزينة والمتحفظة والمؤدبة علنا ، الخطوات الأولى تبتدئ من ضغط زر على علامة الإعجاب ، من زوجة على منشور لشخص غريب  وغير محمول في بيت الزوجية ، مرورا بالتعليقات وصولا الى التساهل في الدردشات والتي غالبا ما تكون بداية لمنكرات كثيرة وانتهاء بالخيانة وبقاءها طي الكتمان والكذب، بالرغم من أهمية أن يراعي كلا الزوجين شريكه، ويحرص على نزع فتيل أي شك أو استياء بإعادة بث روح الثقة، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بتقليص حجم وأهمية هذه الوسائط في حياتنا أولا، ثم بالالتزام بالضوابط الشرعية والحياء ثانيا، لأنها ضد الشرف والأخلاق، من الطرفين.

يشار الى إن عادة التزاور بين الناس تقلصت لصالح تبادل الرسائل، ومع صعوبات الحياة، فقد صار بعض الناس يكتفي بالاتصال الهاتفي للتهنئة ببعض المناسبات أو حتى للسلام والسؤال عن الحال، ولا شك أن توافر الأجهزة الذكية قد وسع دائرة العلاقات الشخصية، وصارت الارتباطات بين زملاء العمل والدراسة والأصدقاء أكثر إلحاحا في التواصل والرد، لكن جزءا من المشكلة يعود إلى عدم القدرة على ترتيب الأولويات بشكل صحيح، ومن ثم تحديد الأفراد الذين لهم حق الزيارة، ومن يكفي الاتصال بهم، لكن من ينظر إلى قائمة الهاتف ليلة العيد مثلا يكتشف حجم المعاناة وصعوبة تحديد من يزور وبمن يتصل، وبالتالي صار هناك ضعف في الشعور بضرورة القيام بمتطلبات العلاقات الاجتماعية على المستوى الشخصي الذي كان يتم وجها لوجه، هناك عادات ووسائل أكثر ودا للتهنئة نفقدها تدريجيا بسبب التطور التكنولوجي في وسائل الاتصالات، كانت التهنئة تستلزم في الماضي زيارات ودية لا بديل عنها بين الأهل والأصدقاء لإظهار كل شخص فرحته وحبه للآخر، ثم تحولت إلى اتصالات أقل ودا تخفي بسماتنا على الوجوه، ثم هيمنت رسائل الهاتف المحمول والبريد الإلكتروني التي تظهر معها رسومات مصطنعة لوجوه كارتونية، ثم رسائل تهنئة مجمعة لكل الأصدقاء تخلو من الاهتمام بشخص المرسل إليه.

يشتكي بعض الأزواج من أن زوجته قد تمكث ساعات أمام وسائل التواصل لتنصح أروع النصائح الزوجية وبناء الاسرة وتعاليم دينية واخلاقية، ثم هي على المستوى العملي الواقعي لا تنفع نفسها بتلك النصائح التي تقدمها للآخرين، ولا تعمل بها، ومن المعروف أن الطرح النظري أسهل من العملي بكثير، وهذا الأمر لا يقتصر على النساء فقط، فربما يقع الرجل أيضا في الأمر نفسه دون أن يشعر، بل إن بعض المنظرين الكبار في تخصصات عديدة يفشلون في تطبيق ما ينصحون به الآخرين، ولذلك ينبغي على الزوج أن يتسع صدره لمثل هذه الأمور ويغض الطرف كثيرا، وأن يلجأ لأساليب مبتكرة ومتجددة لتحويل تلك الأفكار إلى واقع ملموس، ومن ذلك جلسات النقاش الودية التي يستمع فيها لما تطرح زوجته من أفكار، ثم يثني عليها، ويقترح عليها أن يلتزم معها بخطة معينة لتعديل وضع خاطئ أو تطوير جوانب معينة في تربية الأبناء أو الاهتمام بالمنزل، وفي المحصلة ينبغي أن تظل تلك الوسائط أدوات في أيدينا نستخدمها ولا تستخدمنا، نملكها ولا تملكنا، نتعامل معها بقدر الحاجة ولا نستسلم لما تفرضه علينا من قيم وسلوكيات خاطئة، فاحمق ذلك الشخص الذي يراهن على خسارة بيته وأصدقاء عمره الذين يؤازرونه ويدعمونه لصالح أصدقاء وهميين ومصلحيين، لا يقدمون له سوى ليكات، فكشف خيانة الزوجين على وسائل التواصل يؤدي إلى شيوع الفضائح وقطع العلاقة الزوجية، وتهديم البيوت والاسر.

عدة دراسات وابحاث أكدت ان وسائل التواصل الاجتماعي ادت إلى خلق هوة في العلاقة بين الزوجين ما تسبب في التفكك الأسري والوصول إلى الطلاق، بطرطوس، أن الإنترنت خلق عائلات جديدة افتراضية جعلت لكل من الزوجين عالمه الواقعي في المنزل والافتراضي خارجه، رغم الإشارات الكثيرة إلى ضرورة استغلال الجانب الإيجابي لشبكات التواصل بغاية الحفاظ على الأسرة، وليس عدم اهتمام الأزواج ببعضهم البعض الذي أنتج اللامبالاة والخيانة الزوجية.

شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت متنفسا للزوجين في حالة الخصام مما يسهل عليهما إيجاد البديل.، أن تسهيل القيام بالعلاقات الافتراضية وإكثارها لدى أحد الزوجين يجعلانه يدخل في مقارنات بين الشريك الموجود في المنزل بأمواله واملاكه وبنقائصه وهناته وبين الآخر الموجود على الإنترنت بصورة أكثر اموالا ووجاهة وجاذبية متوجا بالتفاهة وبؤس تفكيره وكلامه.

أن حالات الخيانة الزوجية كان من الصعب إثباتها سابقا، إذ يفترض أن تحدث في فراش الزوجية، أما اليوم أصبح إثبات حالة الخيانة لدى الزوجين سهلا. فيكفي أن يتحدث الزوج أو الزوجة مع شخص آخر أو يقوم ببعض الممارسات على مواقع التواصل الاجتماعي لتثبت الخيانة وبعدها يقع الطلاق.

ان السبب في تزايد حالات الطلاق إلى التكنولوجيا الحديثة التي أثرت بشكل كبير على النساء والرجال، حيث أن أغلب حالات الطلاق كان سببها المباشر أو غير المباشر مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك من الرجال من يكتب للمرأة أرق التعبيرات التي تشعرها بأنها : جوهرة بين يدي فحام، وأنها مظلومة وضائعة، وأنها في المكان الذي لا يناسبها وبين يدي الرجل الذي لا يستحقها، فضلا عن الكلمات الرقيقة، ومن النساء أيضا من تستغل منشور رجل يصف فيه بعض معاناته لتعلق له بأجمل تعابير المواساة وبأرق الكلمات، وتبادل الأغاني والمشاهد الدرامية، وبهذا يجد كل من الزوج والزوجة اللذين يسيئان استخدام الإنترنت ضالتهما في الحياة الافتراضية، بشخصيات كاذية وجذابة وغير حقيقية ، وبمعاملات غير واقعية مزيفة وغير صادقة حتى لو كانت مليئة بالكلمات الساحرة والهدايا القيمة، مما سيؤثر على الزوجين ويتذمران ويقارنان بين كلتا الحياتين إلى أن ينتهي بهما الحال إلى هجران الحياة الواقعية ولو عاطفيا، فيعيشان في الواقع بالجسد فقط حاصرين كل المشاعر والعواطف والحب والاهتمام في الحياة الافتراضية.

واخيرا لا بد من الإشارة الى ما يسمى بالطلاق الإلكتروني الذي ظهر في بعض الحالات، وهو حل الرابطة الزوجية باستعمال الوسائل الكترونية، ولأن الطلاق من المسائل الجدية والخطيرة، وجب النظر فيه، والعمل على بيان أحكامه، وذلك في محاولة للخروج من هذه الأزمة التي من شأنها تدمير وخراب البيوت، فقد انتشرت فى الأونة الاخيرة ظاهرة الطلاق الإلكتروني والتي تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي “الواتس اب”، و”الفيس بوك”، و”ماسنجر”، و”تليجرام”، وتطبيق “التيك توك”، والرسائل النصية القصيرة، وفيها يقوم الزوج بإرسال رسالة صوتية أو مصورة فيديو أو مكتوبة بالطلاق الصريح، ان الطلاق الإلكتروني، والذى تترتب على وقوع الطلاق آثار متعددة منها استحقاق الزوجة للحقوق المؤجلة والتي تشمل مؤخر الصداق، وقائمة المنقولات ونفقة العدة والمتعة ومنها قطع نفقة الزوجية ومنها أيضا استحقاق المطلقة لمعاش الوالد أو الوالدة، واخيرا نقص عدد الطلقات الثلاثة وانتهاء الرابطة الزوجية بالطلقة الثالثة، خاصة وأن هناك من يرى الطلاق الإلكتروني وسيلة جديدة لإثبات الطلاق وليس نوعا جديدا، وبالتالي لا يصح القول بأنه يسبب أثر سلبا في المجتمع أو يشكل عبئا على كاهل الجهات العدلية مستقبلا.