لكل السوريين

زيت الخريج تقليد عمره مئات السنين ينكسر بقرى جبلة

عادة قديمة متوارثة منذ مئات السنين مرتبطة بقطاف الزيتون يسير عليها أغلب مزارعي ريف محافظة اللاذقية، وهي انتظارهم أول مطره في تشرين الأول، حيث أنه بعد هطول المطر يندفع الزيت إلى الأغصان وبعد عشرة أيام يعود الزيت إلى حبة الزيتون، إلا أن الكثير من مزارعي ريف جبلة لا يتقيدون بهذه العادة بانتظارهم المطر ويبدؤون القطاف بعد منتصف أيلول، مؤكدين أن موعد القطاف يحدده نضوج الحبة ما فوق 60% ونوعية شجرة الزيتون، وأن زيت الخريج الذي يعتمدونه لا يحتاج إلى النضوج الكامل للحبة، وأن هذا الزيت متوارث بالريف منذ قرون، ولا يستغنون عنه، وأن موعد القطاف مرتبط بنضج حبة الزيتون 50%، والمؤشر على ذلك هو تلون الحبة من لونها الأخضر إلى الأسود، وبالنسبة للعادات المتوارثة عند مزارعي ريف محافظة اللاذقية تختلف عن ريف جبلة، لكون الكثير من مزارعي ريف جبلة يعتمدون على زيت الخريج، فيتم قطافه قبل نضوجه بالكامل حتى يصلون للنتيجة المرجوة اللون الأسود، أما المزارعون الآخرون في المحافظة فيبقون حتى هطول المطر لتكون النتيجة زيتا أخضر، وان الطريقة المثلى لعصر الزيتون من تحت الشجرة إلى الحجرة او المعصرة مباشرة، لكون نسبة الأسيد تكون صفر، وأن انتظار هطل المطر يعطي زيتا أكثر علميا ، لأن الماء يتجمع في الأغصان وبعد مرور أكثر من عشرة أيام تتحول إلى الحبة ويزيد نسبة الزيت، لكن بحيث ارتفعت أسعار تنكة زيت الزيتون الخريج إلى حوالي مليون ومائة الف ليرة سورية، وهو ما أثر سلبا على تسويقه وانخفاض بيعه بشكل كبير، ان ارتفاع أسعار زيت الزيتون  ووفي السنوات القادمة سيتجه الكثير من مزارعي ريف جبلة لاعتماد الزيت الأخضر لأنه مطلوب أكثر  للبيع والتسويق.

ونشير الى أن الموعد المناسب لجني الزيتون هو عندما يلاحظ الفلاح أن نسبة التلون في الثمار قد تجاوزت 50- 60% بشكل عام، وهذا إذا كانت الرغبة بالحصول على زيت، أما إذا كان الهدف للتخليل او الرص، فعادة يكون أواسط إلى آخر أيلول، وهنالك بين ربط بين عملية الجني بالمطر فهي عادة مرتبطة بزراعة الزيتون البعل، حيث إنه مرحلة النمو الحجمي للثمرة، والبدء بتشكيل الزيت وتتم هذه المرحلة في موسم الصيف، وما يرافقه من ارتفاع حرارة وجفاف وتنتهي هذه العملية مع أواخر الصيف بالبدء بتلون الثمرة إيذاناً بالنضج، وبالملاحظة من الفلاح على مدار مئات السنين فقد ربط موعد النضج بما يسمى مطرة أول أيلول شرقي، لكن هذه المطرة ليست ثابتة بموعدها خاصة في السنين الماضية، وبالتالي إن حصلت فهي أكيد لها فوائد على الشجرة خاصة بعد موسم جفاف طويل، وتساعد على استكمال نضج ما تبقى من ثمار غير ناضجة، وهذا يحدث خلال عشرة إلى خمسة عشر يوماً بعد المطرة المذكورة، إضافة إلى إيجابية غسل الأشجار من الغبار، حيث تساعد نظافة الأشجار على الجني السهل ، ولوحظ في الآونة الأخيرة استخدام مصطلحات غريبة عما يسمى اندفاع الزيت ووجود الزيت في الأغصان وما شابه من مصطلحات لا تمت للعقل بصلة على قنوات التواصل الاجتماعي وهي صفحات وقنوات لا تمثل العلم بشيء، والمعلومة الصحيحة لا تأتي الا من الخبراء الزراعيين، وان الفلاح هو مَن يحدد الموعد الأنسب للقطاف حسب تلون الثمرة، فإن تحديد بدء موعد القطاف، وهي  من كل عام يوم 20 أيلول ، لكون بعض الأصناف تنضج بمعدل أسرع من أصناف أخرى بما لا يقل عن أسبوعين مثل بعض الأصناف الأجنبية، وبالتالي لا يعني هذا أن الموعد إلزامي، بل إن هذا الموعد هو الحد الأدنى، ويبقى كل بستان وكل منطقة لها خصوصية بموعد النضج، والفلاح نفسه هو من يحدد الموعد الأنسب له وفق قاعدة التلون، ووفقا لراي العديد من المزارعين القدامى والمهندسين الزراعين الخبراء في اللاذقية وريفها وريف جبلة، يقدر الإنتاج الأولي بـ45 ألف طن، وهي سنة معاومة والإنتاج يعد عاديا مقارنة بسنين المعاومة، وفي كل الأحوال يفضل ألا يبقى الزيتون طويلا على الأشجار بعد التلون والنضج، لأنه يصبح أكثر عرضة للإصابة بذبابة ثمار الزيتون، التي تسرع من تساقط الحبات الناضجة، وبالتالي تسوء نوعية الزيت ويصبح غير قابل للحفظ لمدة طويلة، ناهيك بالنكهة غير المرغوبة، ويفضل بعد القطاف الذهاب للمعصرة خلال 48 ساعة والحد الأعلى 72 ساعة للحصول على أفضل جودة لزيت الزيتون، ويجب أن يدرك الفلاح أن أفضل طريقة لعصر الزيتون هي على البارد، أي لا تتجاوز حرارة العجن 40 درجة مئوية والدرجة المثلى 30 مئوية.

يعتبر زيت الخريج واحدا من أفضل أنواع زيت الزيتون في العالم، وهو يتميز بلونه الأسود والطريقة التقليدية التي يستخرج بواسطتها، وان أهالي الساحل بأغلبيتهم يفضلونه على غيره ويعتبرونه فاتح الشهية الرئيسي لمأكولاتهم فهم وخصوصا في الريف جعلوا منه شريكا لكل مائدة دون استثناء، ومن كثرة حبهم له جعلوا كل من يزورهم يحبه، حيث أصبح مادة غذائية رئيسية للكثيرين، يعد زيت الزيتون الأسود الخريج واحداً من أشهى أنواع الزيت على الإطلاق، وتشتهر به قرى ومدينة جبلة، إلى جانب مدن الساحل السوري.

طريقة استخراجه تختلف إلى حد كبير عن طريقة استخراج أنواع الزيت الأخرى، حيث يتم قطف الزيتون في شهر أيلول ويوضع داخل المنزل لمدة أسبوع كامل يفرش خلاله على الأرض، وبعد انتهاء المدة يتم سلقه بواسطة حلّة كبيرة تسمى جعيلة، وبدرجة حرارة تصل إلى 90 درجة، وعقب سلق الزيتون يتم وضعه ضمن قطعة قماش كبيرة يلف بها ويوضع في مكان مشمس حتى يتم تجفيفه ليتم نقله بعدها إلى المعصرة حيث يتم عصره واستخراج الزيت منه، ان استخراج زيت خريج هو عادة قديمة تقليدية كانت متبعة لاستخراج الزيت ومازالت مستمرة في بعض المناطق وهي طريقة بدائية يتم فيها سلق ومن ثم طحن الزيتون مع اللب عبر صخرتين مدورتين تسمى الباطوس تضغطان على الزيتون ضمن عواء حجري كبير يستخدم فيها البغال لتدويرها من ثم يتم نشر الزيتون وتخميره وبعد ذلك يرسل إلى المعصرة لاستخراج الزيت ذات اللون الداكن، والزيت المستخرج وبعد إعادته نقوم بوضع القليل من المياه ضمن الحلة او جعيلة ونضعها على النار لبعض الوقت ثم نسكب الزيت فوق الماء ونطفئ النار تحته، في هذه الأثناء تترسب الشوائب في الأسفل ويطفو الزيت على السطح فيتم قطفه ووضعه في الوعاء الخاص به، وبذلك يصبح لدينا زيت مكرر مثل السمن العربي ، وزيت الخريج من أنظف أنواع الزيت على الإطلاق وهو يستخرج بعناية ودقة ويستهلك جهدا كبيرا، وهو طبيعي 100% لا يدخله أي مادة أخرى ويتم تعقيم الزيتون قبل عصره بواسطة أشعة الشمس كما يتم وضع الزيت بعد عصره في الماء المغلي ليعقم فيه أيضا ويتخلص من شوائبه.

السيد إبراهيم من قرى جبلة وهو أستاذ مدرسة متقاعد ومزارع لأشجار الزيتون، أضاف الينا وقال: نضع أوعية كبيرة فوق مواقد الحطب، تسلق فيها حبوب الزيتون، وهذا مشهد مألوف في عدد من مناطق الساحل السوري، يرجع تاريخ استخراج الخريج من حبوب الزيتون المسلوقة، إلى زمن قد يكون أقدم من عهد المملكة الأوغاريتية، حيث اكتشفت آثار معاصر زيتون، ويشير وجود الباطوس (كلمة سريانية تعني الحجر الدائري) وانتشاره في منطقة ساحل المتوسط ، إلى أن هذا النوع من الزيت كان معروفا، أما مصطلح الخريج ، مشتق من الكلمة العربية استخراج، يتطابق المصطلح مع استخراج الزيت من حبوب الزيتون، التي تمر بمراحل تستغرق أكثر من عشرة أيام، وتبدأ بسلق الزيتون على الحطب : نصف سلقة ، بعدها، ينقل الزيتون المسلوق إلى أسطح المنازل المنظفة مسبقا، وتتم العملية باستخدام القفير، وهو وعاء يصنع من أعواد الريحان حصرا، تفرش الحبوب المسلوقة وتغطى، لتكشف بعد أيام وتترك لتجف تحت ضوء الشمس، من ثلاثة إلى عشرة أيام ، بعدها تجمع الحبوب في أكياس خيش، وتنقل إلى المعصرة، يأتي دور الباطوس، وهي أداة حجرية دائرية (يبلغ وزنها قرابة طن)، مركبة على محور خشبي قابل للدوران فوق سطح سطري ناعم، ترمى الحبوب تحت الباطوس وتهرس مرات عدة، ثم تجمع وتوضع في العليقات، وهي أوعية مصنوعة من القنب، تسمح بمرور الزيت من فتحاتها، عند وضعها تحت ثقل عمود خشبي كبير، ليعصر الزيتون المجروش (حاليا توضع العليقات تحت ثقل مكابس هيدروليكية)، يتميز الزيت الناتج بأنه كثيف، ولونه أقرب إلى الأسود وذو رائحة حريفة، ينتشر إنتاج هذا النوع من الزيت، بشكل رئيس في أرياف بانياس وجبلة وطرطوس، وحتى وقت قريب، بدا أن هذه الطريقة في طريقها إلى الانقراض، بعد انتشار عشرات المعاصر الحديثة، المؤتمتة بالكامل، وشيوع استخدام زيوت بديلة، كالذرة وعباد الشمس، وبسبب الجهد الكبير الذي تتطلبه عمليتا السلق والعصر.