في مدينة حلب التي تجمع بين عبق التاريخ وجمال الحداثة، تظهر قصص ملهمة لنساء صامدات لم يستسلمن للواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب، بل اختارت كل واحدة منهن أن تكون رائدة في مجالها الخاص، حيث أدخلت روح الإبداع في مشاريع صغيرة جعلتها شريكة أساسية في بناء أسرهن ومجتمعهن.
تعددت المشاريع الصغيرة التي أطلقتها النساء الحلبيات، فكان من أبرزها الخياطة والتطريز التي ظلت مهنة متوارثة عبر الأجيال، إضافة إلى حياكة الصوف وصناعة الألبسة الشتوية يدوياً، وصناعة الإكسسوارات اليدوية من الخرز والخيوط، وزراعة الورد والنباتات المنزلية، وصولاً إلى تسويق المنتجات عبر الإنترنت، وهي مهنة جديدة لاقت رواجاً واسعاً في السنوات الأخيرة.
أم لين، من حي السكري، تروي تجربتها بعد وفاة زوجها قائلة: “كنت أمام خيارين إما أن أستسلم أو أتحرك. بدأت بالخياطة من غرفة صغيرة في منزلي، وسرعان ما بدأت جاراتي يطلبن مني تفصيل ملابسهن. طورت مهارتي وتعلمت التطريز، والآن لدي زبونات من خارج الحي”. بالنسبة لأم لين، كان العمل وسيلة للحفاظ على كرامة أسرتها وتربية أبنائها.
من حي الميدان، تروي سمر تجربتها في مجال الزراعة والتسويق الإلكتروني: “كنت أحب الزراعة، فبدأت بزراعة شتلات الورد فوق سطح المنزل، وشاركت صورها على الإنترنت. تفاجأت بعدد الطلبات، فبدأت أبيع الورد المزروع منزلياً وأصنع باقات صغيرة. التحقت بدورة تسويق إلكتروني مجانية، ومنذ ذلك الحين توسع عملي كثيراً”. سمر تمثل نموذجاً لامرأة حولت هوايتها إلى مصدر رزق دائم.
وفي حي الحمدانية، تروي نهى تجربتها في حياكة الصوف وصناعة الإكسسوارات: “تعلمت الكروشيه من والدتي، وبدأت بصنع قبعات للأطفال وبيعها على إنستغرام. لاحقاً أضفت الإكسسوارات، وصارت بناتي يساعدنني. عملنا أصبح مشتركاً كأسرة، وصرنا نشعر أننا فريق واحد”.
علياء، الطالبة الجامعية، تقول: “أعمل في تسويق المنتجات عبر الإنترنت، وهو عمل بسيط لا يتطلب جهداً كبيراً، ويساعدني في تأمين مصروفي الجامعي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة”.
تجسد هذه القصص كيف استطاعت نساء حلب تحويل أبسط الموارد إلى أدوات للإنتاج، مزجاً بين المهارة والتراث والتكنولوجيا الحديثة. لقد أسهمن في دعم أسرهن، وأصبحن مثالاً حياً على أن المرأة ليست فقط ربة منزل، بل هي أيضاً ركيزة اقتصادية واجتماعية في المجتمع.