رغم الأزمات والصراعات التي شهدتها مدينة حلب، استمر اهتمام المرأة الحلبية بالتعليم كأحد الثوابت التي لم تتأثر. فقد تميزت الحلبية، بطبيعتها، بإصرار فريد على التعلّم والتحصيل العلمي، مما جعل نسب الأمية بين النساء في المدينة شبه معدومة، خاصة في الأحياء الحضرية. التعليم لم يكن مجرد خيار بالنسبة للمرأة الحلبية، بل أصبح جزءاً من هويتها وتاريخها الاجتماعي.
منذ بدايات القرن العشرين، بدأت حلب تشهد ظهور مدارس للفتيات وتوسّع التعليم الجامعي للنساء في وقت كانت فيه مدن أخرى تتردد في تعليم الإناث. ساهمت العائلات الحلبية، خصوصاً تلك التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة والمتعلمة، في تشجيع بناتها على الدراسة، إيماناً بأن التعليم هو السبيل الأمثل للتمكين والمشاركة الفاعلة في المجتمع.
أسفرت هذه الرؤية عن بروز العديد من الأسماء النسائية اللامعة التي تركت بصمات واضحة في مجالات السياسة والطب والهندسة. من أبرزهن الدكتورة نجاح العطار، ابنة حلب، التي كانت أول امرأة تتولى منصب وزيرة في سوريا، حيث كانت مدافعة عن دور المرأة في الحقلين الثقافي والسياسي.
وفي مجال الطب، برزت العديد من الطبيبات الحلبيات مثل الدكتورة سحر البوشي، المتخصصة في طب الأطفال، والتي قدمت خدمات متميزة في المشافي والمراكز الصحية، خاصة في الأحياء الشعبية.
أما في ميدان الهندسة، فقد لمع نجم المهندسة ربا فتال، التي شاركت في مشاريع هندسية كبرى في حلب، وأسست مكتبها الخاص، لتكون من أوائل النساء المهندسات الرائدات في شمال سوريا.
ورغم سنوات الحرب التي مرّت على المدينة، لم يتوقف اهتمام المرأة الحلبية بالتعليم، بل ازدادت عزيمتها على تحصيل العلم. حيث برزت مبادرات نسوية لفتح صفوف محو أمية ودورات دعم تعليمي للفتيات اللواتي انقطعن عن الدراسة. كما شهدت الجامعات في حلب حضوراً نسائياً قوياً في كليات الطب والهندسة والآداب والحقوق، حيث تتفوق الطالبات في الأداء الأكاديمي.
في مجتمع لا يزال يتمسك بجذوره الثقافية، استطاعت المرأة الحلبية أن تفرض حضورها العلمي، ليس فقط بتحصيل الشهادات، بل بالمشاركة الفاعلة في بناء مجتمعها، مما يجعلها نموذجاً للمرأة الواعية التي رأت في التعليم طريقاً للحرية والنهوض بالمجتمع.