لكل السوريين

بين التسويق الإعلامي وكواليس السياسة.. تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق من غموض إلى آخر

يثير استمرار التكهنات والتسريبات حول إمكانية تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة الكثير من الجدل والتحليل نظراً للتوترات السياسية والجغرافية بين البلدين في ظل وجود عدة عوامل يمكن أن تؤثر سلباً على احتمالات حدوث مثل هذا التطبيع، حيث كانت تركيا داعمة رئيسية لفصائل من المعارضة السورية منذ بداية الصراع في سوريا، مما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين.

كما أن تورط نظام أردوغان في الشمال السوري، واستمرار تواجد قواته في مناطق سورية متعددة، يقلل من فرص التوصل إلى تطبيع العلاقات بينهما.

وبالمقابل، توجد عدة عوامل تدفع بهذا الاتجاه، من أبرزها المتغيرات الإقليمية والدولية، والوساطة الروسية، حيث يستغل الرئيس بوتين علاقاته الجيدة مع البلدين ويسعى إلى تسهيل عملية التطبيع بينهما بما يخدم مصالحه الاستراتيجية في المنطقة.

وقد تدفع مصالح الحكومتين نحو التفاهم بينهما، في ظل التحديات الأمنية والصعوبات السياسية والاقتصادية التي تواجهانها.

كما يمكن أن تكون قضايا اللاجئين السوريين في تركيا وضغطهم على بنينها التحتية وتنامي خطاب الكراهية ضدهم، دافعاً لنظام أردوغان نحو تقديم تنازلات لتحسين علاقاته مع دمشق.

رسائل تركية

تكررت رسائل رئيس النظام التركي حول إمكانية التطبيع مع دمشق، وقال خلال رحلة عودته من كازاخستان إنه “قد يدعو الرئيس السوري مع الرئيس الروسي إلى تركيا لعقد اجتماع مشترك”.

وبعد أسبوع من قوله “لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات مع سوريا”، وإشارته إلى أنه “لا يستبعد احتمال عقد اجتماع مع نظيره السوري للمساعدة في استعادة العلاقات بين البلدين”،

قال خلال مؤتمر صحفي عقده على هامش مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي بواشنطن،

“لا ينبغي لأحد أن ينزعج من بناء مستقبل جديد وموحد لسوريا”.

وفي هذا الاتجاه ذهبت إجاباته على أسئلة الصحفيين على متن طائرته أثناء عودته من العاصمة الأميركية، إذ قال خلال إجابته على سؤال يتعلق بلقاء الرئيس السوري “إن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يقوم حالياً بتحديد خارطة الطريق من خلال محادثاته مع نظرائه وبناء على ذلك سنتخذ الخطوة اللازمة إن شاء الله”.

ومن جانبها نقلت الصحف التركية مؤخرا عن مصادر مطّلعة في أنقرة أن “الحديث يتزايد عن اجتماع محتمل بين الأسد وأردوغان”، وأشارت إلى أن اللقاء قد يعقد في أيلول المقبل.

وأشارت إلى أن “أنقرة تريد أن يستمر التحضير للاجتماع بهدوء وبعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا، سيتضح في أي بلد سيعقد اللقاء”.

المساعي الروسية

في ضوء سعيها لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، استضافت موسكو في بداية شهر نيسان الماضي اجتماعاً رباعياً ضمّ نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران وسوريا.

وجاء في البيان الختامي لهذا الاجتماع “اتفقت الأطراف على إعداد خارطة طريق للنهوض بالعلاقات التركية السورية، والتنسيق مع وزراء الدفاع والاستخبارات في هذه الدول”.

وأكّد المجتمعون “التزامهم بسيادة سوريا وفقاً لقرارات مجلس الأمن، والبيانات الرسمية الصادرة في إطار مسار أستانا”.

وتميّزت مواقف الطرفين بعد هذا الاجتماع بمرونة لافتة، حيث “لم تعد تطلب دمشق انسحاب القوات التركية، واكتفت بالتعهد بالانسحاب فقط، وبدأ الأتراك الحديث عن إمكانية التطبيع مع سوريا بشروط عامة مثل الحديث عن المصالحة بين النظام والمعارضة”، حسب وسائل الإعلام الروسية.

ومع ذلك لم يتضح بعد أي اتفاق على إمكانية التطبيع، وما زال الحديث في إطار الملامح العامة التي تؤسس لضبط العلاقة بين الأطراف، وما زالت تصريحات رئيس النظام التركي غامضة حول كيفية تطبيق أي اتفاق، وما زال ينظر إلى المتغيرات الإقليمية والدولية بحذر، ويتخوّف من عدم رغبة الحكومة السورية في إعادة المهجّرين، أو عدم قدرتها على ذلك.

ضوء أخصر أميركي

قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة “أبلغت تركيا بموقفها من إقامة محادثات مع الجانب السوري إذ يجب أن تتركز على ضرورة اتخاذ خطوات لتحقيق تقدم سياسي وتحسين وضع حقوق الإنسان في سوريا”.

وقال نائب المتحدث باسم الوزارة في إحاطة صحفية “كنا واضحين مع الشركاء الإقليميين بما في ذلك تركيا في أن أي تواصل مع النظام السوري يجب أن يتركز على ضرورة اتخاذ خطوات موثوقة لتحسين الوضع الإنساني والأمني ​​لجميع السوريين”.

وأفادت صحيفة “يني شفق” التركية أن المحادثات الهادفة إلى تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا ستبدأ تحت إشراف روسيا، على أن ينتج عنها لقاء على مستوى وزراء الخارجية.

وقالت الصحيفة المقربة من الحكومة التركية “من المتوقع أن تكون مرحلة المحادثات التالية على مستوى وزراء الخارجية”.

وأشارت الصحيفة إلى إمكانية أن “تبدأ سلسلة من الاجتماعات الفنية في الفترة المقبلة بتنسيق من روسيا، وأن تزداد وتيرة الاتصالات بين تركيا وسوريا”.