يعيد تواجد قوات تركية في شمال سوريا وسيطرتها على أجزاء من الأراضي السورية إلى الأذهان مخاوف إعادة رسم الحدود بين البلدين على أساس الميثاق الملي، حيث لاتزال النزعة الاستعمارية تراود حكام تركيا بعد مرور أكثر من مئة عام على هذا الميثاق.
ويخشى السوريون من تكرار سيناريو “لواء اسكندرون” الذي تم اقتطاعه من سوريا عام 1938، وأقر باتفاق بين الحكومتين السورية والتركية عام 1998، حينما كانت تركيا تهدد بغزو سوريا بذريعة وجود زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان فيها.
وشكلت الأزمة السورية، فرصة لتدخل تركيا العسكري وفرض سيطرتها على إدلب وجرابلس والباب وإعزاز وعفرين ورأس العين وتل أبيض، وما زالت تهدد بتوسيع رقعة سيطرتها عبر عمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، بذريعة أنها تشكل خطراً على أمنها القومي.
وكان رئيس النظام التركي قد كشف أنه “سيصلح ما أفسده أتاتورك”، في تشرين الأول 2016، عندما تم استبعاده من المشاركة في حملة تحرير الموصل من تنظيم داعش الإرهابي.
وزعم بالتزامن مع التحضيرات للإبادة الجماعية ضد سكان مدينة عفرين عام 2018 أن “شمال سوريا كانت ضمن حدود الميثاق الملي”.
وأعلن أنه سيعيد مليون لاجئ إلى ما يسميها “المنطقة الآمنة”، لتوطين غرباء محل أكثر من 300 ألف مهجّر من السكان الأصليين، وبذلك يبدأ برسم جزء من خارطة الميثاق الملي.
وغيّر الاحتلال التركي الكثير من معالم المناطق السورية المحتلة وهويتها، من خلال تغيير أسماء المدن والساحات والقرى فيها.
خطورة الميثاق
تشكل محاولة إعادة إحياء الميثاق الملي التركي مصدر خطر بالغ على سوريا بسبب الأطماع التركية في المناطق التي تعتبرها أنقرة جزءاً من الدولة العثمانية، وتسعى إلى إعادة السيطرة عليها بها بناء على معايير هذا الميثاق، ومن بين هذه المناطق أجزاء من شمال سوريا كانت تحت الحكم العثماني، وتزعم تركيا أن من حقها المطالبة بها.
وكانت تركيا قد استخدمت هذا الميثاق كأحد مبررات تدخلاتها العسكرية في الشمال السوري منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وقامت بعدة عمليات عسكرية في شمال سوريا مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، وكان الهدف المعلن لهذه العمليات “القضاء على التهديدات الإرهابية”، ولكنها كانت تتماشى مع طموحات رئيس النظام التركي التوسعية تحت ذريعة الميثاق الملي.
ومازال نطام أردوغان يسعى إلى إحداث تغييرات ديموغرافية في المناطق التي تسيطر عليها قواته في الشمال السوري من خلال توطين اللاجئين السوريين من أصول عربية أو تركمانية في مناطق ذات أغلبية كردية، مما يعزز سيطرة تركيا على هذه المناطق، ويسهل ضمها في المستقبل، بما يتماشى مع أهداف الميثاق الملي.
أحلام رئيس النظام
يسعى رئيس النظام التركي إلى تحقيق أحلامه في إحياء الامبراطورية العثمانية البائدة عن طريق إعادة اعتماد خارطة الميثاق الملي.
ولذلك يعمل على إعادة توطين اللاجئين السوريين في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري بما يؤدي إلى تغيير التركيبة السكانية في تلك المناطق، ويعزز النفوذ التركي فيها، ويزيد من احتمالات المطالبة بها مستقبلاً.
واستهدفت العمليات العسكرية التركية بشكل رئيسي المناطق ذات الأغلبية الكردية التي تعتبرها أنقرة تهديداً لأمنها، حيث يعتقد النظام التركي أن نجاحه في تحجيم النفوذ الكردي في تلك المناطق يتماشى مع خطابه الذي يتضمن باستمرار إشارات إلى العثمانية الجديدة وإلى إعادة إحياء أمجاد الدولة العثمانية، ويسعى لتعزيز الروح القومية وربط الشعب التركي بماضيه الإمبراطوري، مما يبرر سياساته التوسعية.
وتحدث رئيس النظام التركي بصراحة وبشكل علني عن الميثاق الملي وأهمية الحفاظ على أمن تركيا في المناطق التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية، مما جدد القلق في دول الجوار وخاصة سوريا والعراق.
يذكر أنه تمت صياغة الميثاق الملي عام 1920م من قبل “مجلس المبعوثان” ونصّ أحد بنوده على أن كل الاقاليم التي تتكلم باللغة التركية تابعة لتركيا، ومن ضمنها شمال سوريا وعاصمتها حلب، وشمال العراق وعاصمتها الموصل، بالإضافة للإقليم الكردي بشقيه السوري والعراقي.
وما زال النظام التركي يسعى لتثبيت قواعده العسكرية في شمال العراق، ويعقد محادثات سرية وعلنية مع القوى الفاعلة في الأزمة السورية، لتثبيت وجود تركي في حلب وشمال سوريا عند إعادة رسم الحدود بين البلدين.