تفاعلت قضية الأطفال السوريين المفقودين، من أبناء المعتقلين السياسيين خلال فترة حكم النظام السابق، بعد أن أوقفت الحكومة السورية الانتقالية، وزيرتين سابقتين للشؤون الاجتماعية ومسؤولين إداريين في دور أيتام، على خلفية اتهامات بتغييب آلاف الأطفال ونقلهم إلى مؤسسات رعاية دون علم ذويهم أو موافقة قانونية.
وقالت مصادر قضائية في دمشق إن النيابة العامة أصدرت أوامر توقيف بحق كندة الشماط وريما القادري، اللتين تولّتا وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومات سابقة بين عامي 2013 و2020، إضافة إلى توقيف مسؤولات إداريات في جمعيات خيرية ودور أيتام، من بينهن هنادي خيمي ولمى الصواف وفداء الفندي العاملات في “مجمع لحن الحياة”، ولمى البابا المسؤولة عن “جمعية المبرة” برفقة شقيقتها رنا البابا، فيما تم الإفراج عن المديرة الحالية للمجمع ميس عجيب بصفتها شاهدة.
جاءت هذه الخطوات عقب قرار وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة الانتقالية هند قبوات، تشكيل لجنة تحقيق خاصة، في الثاني من تموز الحالي، بالتعاون مع وزارات العدل والداخلية والأوقاف، بهدف كشف مصير ما بين 3 آلاف و5 آلاف طفل جرى تغييبهم عن ذويهم المعتقلين خلال السنوات الماضية، وتعرضوا لتغيير هوياتهم أو نقلهم إلى مؤسسات الرعاية دون توثيق.
وأظهرت وثائق مسرّبة نشرها موقع “زمان الوصل” قوائم بأسماء عشرات الأطفال الذين تم تسليمهم من أفرع أمنية إلى مؤسسات رعاية، من بينها مدرسة “قرى الأطفال” الدولية في دمشق، إضافة إلى تقارير تفيد بقيام ضباط أمن بتحويل نحو 300 طفلة إلى شقق سكنية خاصة بهدف إخفائهن عن أي متابعات قضائية.
من جانبها، اعترفت إدارة مدرسة “قرى الأطفال” بتسلمها 139 طفلاً بين عامي 2014 و2019 دون أي وثائق رسمية، قبل أن تطلب من وزارة الشؤون الاجتماعية التوقف عن إرسال مثل هذه الحالات. كما صرّحت براءة الأيوبي، مديرة “دار الرحمة”، بأن الدار استقبلت أكثر من 100 طفل من أبناء المعتقلين، وأُعيد 24 منهم فقط إلى عائلاتهم، بينما مُنع الآخرون من أي زيارات دون موافقات أمنية عليا.
وبحسب إفادات عدد من العاملات في مؤسسات الرعاية، كانت التعليمات الأمنية تُصدر مباشرة من رؤساء أجهزة الأمن إلى الوزارة، التي تقوم بإيداع الأطفال في دور الأيتام وتغيير هوياتهم ومنع الإفصاح عن معلوماتهم الشخصية، فيما بدا أنه سياسة ممنهجة لإخفاء مصيرهم. وتشير شهادات عدة إلى إشراف مباشر من أسماء الأسد زوجة الرئيس السابق على هذا الملف، بحسب المديرة الحالية لـ”مجمع لحن الحياة”، التي أكدت أن بعض الأطفال أُرسلوا بتوصيات أمنية مباشرة.
وتعد هذه التوقيفات القضائية الأولى من نوعها بحق مسؤولين كبار من نظام الأسد منذ تشكيل الحكومة الانتقالية، وتُشكل، بحسب مراقبين، تحولاً لافتاً في مقاربة ملفات الانتهاكات السابقة، وخصوصاً تلك التي تتعلق بانتهاكات الطفولة وحقوق الإنسان.