لكل السوريين

مقتل سليماني.. الخطوة الأولى لتحجيم إيران، وخلطٌ جديد للأوراق في الشرق الأوسط

منذ مقتل سليماني قائد فيلق القدس الإيراني؛ لم تتوقف المناوشات الإيرانية الأمريكية، ما أدى إلى تكهنات باندلاع حرب عالمية ثالثة رآها مراقبون بأنها أقرب من أي وقت مضى، نظرا للوعيد الذي أطلقته طهران، ومواليها في كل لبنان والعراق وسوريا واليمن حتى، ومع مرور أكثر من عشرة أيام على مقتله بات من الواضح أنها تهديدات لا أكثر، والرد الإيراني لم يطل أمريكيا واحدا.

منذ سنوات ولم تنطفئ نار التوترات بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وازدادت مؤخرا ولا سيما بعد مقتل الجنرال الإيراني “قاسم سليماني” الذي كان يشغل منصب مشابه كوزير دفاع إيراني والشخص الثاني بعد المرشد الأعلى لإيران “علي خامنئي”، والذي قامت واشنطن بأمر من رئيسها ترامب ووزارة دفاعها “البنتاغون” بإصدار قرار باغتياله، بحسب التصريحات الأمريكية، متهمة إياه بأنه يسعى لتنفيذ عمليات ضد سفارتها في العراق.

أمريكا، وبدهاء سياسي وحنكة استطاعت توجيه أنظار العالم كله ومن ضمنه الإيرانيين إلى الطائرة الأوكرانية التي أسقطها الحرس الثوري الإيراني، مدعيا أنه كان يظن أنها صاروخا أمريكيا جاء ليرد على استهداف الإيرانيين لعين الأسد، وبعدها أججت المظاهرات في الداخل الإيراني لتهدئة الشعب عن مقتل سليماني الذي كان يعد رجل الدين الثاني بعد الخامنئي.

قتل سليماني مقرر عليه أم خطئ

مما لاشك به أن الولايات المتحدة الأمريكية جادة هذه المرة في ما أقدمت عليه وما يستتبع ذلك من ردود فعل بالمقابل، فالعملية التي تم من خلالها استهداف قاسم سليماني لم تكون الوحيدة ولن تكون الأخيرة؛ بل سيتبعها العديد من العمليات النوعية في هذا الاتجاه.

وبدأ التخطيط لقتل سليماني من قبل الرئيس الأمريكي ترامب ومستشاريه، نظرا لأن سليماني بات يشكل خطرا حقيقيا على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ككل، وجاءت هذه العملية بمثابة تحذير لإيران لمخاطر توغلها بالمنطقة، دون إيلاء حساب للقوى الحقيقية الفاعلة على الأرض.

الثروات الكبيرة التي يتمتع بها الشرق الأوسط؛ جعل من الأمريكان والأوربيون يولونه أهمية بالغة، وإن كان هناك تهديد لمصالحهم في المنطقة فهذا سيستدعي قتل رؤساء وإسقاط أنظمة, وليس مقتل قائد ميلشيا أو عصابة كما وصفته بعض تلك البلدان.

ويعد قرار قتل سليماني هو الأول من نوعه في المنطقة، لكون المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة من خلال تجنيد طوائف كاملة لخدمة هذا المشروع رأته أمريكا أنه ليس تهديدا للمصالح الأمريكية في المنطقة فحسب، بل إنما تعدى ليكون تهديدا للأمن القومي، واتضح ذلك من خلال التهديدات الإيرانية لضرب دول الخليج المتحالفة مع أمريكا.

أما اليوم فالولايات المتحدة لم تعد بحاجة إلى الرجوع إلى رعاياها في اتخاذ خطوات كهذه الخطوة، التي عدت قشة قضمت ظهر مشروع الهلال الشيعي ولو لفترة محدودة.

ومن جهة أخرى أشار سياسيين ومحللين إلى أن تكون روسيا تقف هي الأخرى وراء عملية الاغتيال، نطراً إلى الخلافات الروسية الإيرانية على الموارد السورية، وخاصة في ظل التنافس الذي يحصل بين روسيا وايران حول بناء الميناء الثالث والذي كان من نصيب الشركات الإيرانية، حيث لعب سليماني دورا كبيرا في حصول إيران على هذه الميزة، وهذا ما  قض مضجع الروس.

وفي إطار العملية؛ باتت الكثير من التحليلات حول الأهداف الأمريكية من قتل سليماني ومن أهمها تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، لأن المنطقة دخلت مرحلة التسويات بالرغم مما يقال أن هذا القرار جاء لخلط أوراق الشرق الأوسط، إلا أن أمريكا لازالت تعمل على إقامة الشرق الأوسط الجديد الذي بدأت بالعمل عليه منذ عام 2003، بعد سقوط النظام العراقي ودخول القوات الأمريكية إلى العراق، والذي تم العمل عليه بمقاسات ما يتناسب مع مصالح الدول الغربية وفي المقدمة أمريكا وحلفائها في المنطقة.

تأتي خطوة خلط الأوراق في الرؤية الاستراتيجية للشرق الأوسط الجديد التي تطمح إلى تشكيله بعد أن مضى أكثر من مئة عام على اتفاقية سايكس بيكو، هناك توجهات إلى إعادة هيكلة المنطقة من جديد وفق المصالح الغربية دون الرجوع إلى المكونات والدول الموجودة ضمن المخطط، على الرغم من وجود دول مهمة جداً كـ “تركيا وإيران” والسعودية وما تمثله من عمق سياسي ديني؛ إلا أن القرار الأمريكي يأتي في هذا السياق.

مدى تأثير موت سليماني على سوريا

لسنوات عدة؛ لعب سليماني في سوريا أدوار عديدة ومن أهمها دخول النظام السوري محافظة حلب، كان سليماني قائد رسميا للمعركة وشاركه فيها أيضاً 12 ألف مقاتل من الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى المرتزقة الأفغان الذين يقاتلون إلى جانب النظام، وظهر قاسم سليماني في مناطق عديدة في دير الزور حيث يتواجد مركز ثقلهم بالقرب من الحدود العراقية.

كما كان لسليماني أيادٍ سوداء في سوريا، من خلال دوره الكبير في قمع المظاهرات التي كانت تنادي بالتغيير في سوريا، وشكل مقتله رسالة مزدوجة لإيران وحلفائها بالمنطقة بأن هناك رؤية جديدة يتم العمل عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا ربما، وكل من يخالف هذه الأوامر سوف يتعاقب ويتعرض للمزيد من الاستهداف وإلى المزيد من الضغط والحصار.

أما على الصعيد السوري السياسي سيكون لمقتل سليماني تأثير غير عادي على سير العملية السورية، بالنظر للدور الهام الذي كان يلعبه قاسم سليماني في سوريا، فهو كان بمثابة وزير خارجية إيراني في سرويا، ولكن لغته كانت عسكرية بحتة لا يتكلم السياسة، وكان الناطق الرسمي باسم السياسة الإيرانية في سوريا.

هل سيقف العالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة أم أن إيران اكتفت بهذا القدر؟

من خلال التهديدات التي أطلقها الطرفان بعد مرور قرابة الأسبوعين على مقتل سليماني، باتت الأمور واضحة أن لن يكون هناك تصعيد أكثر، فالرد الإيراني باستهداف قاعدة عين الأسد كان هو الرد الوحيد.

كما ان الحرب العالمية الثالثة أشرفت على الانتهاء، فقد بدأت مع بداية ما عُرف بالربيع العربي عام 2010 من خلال انتشارها، بدءا من تونس ومصر وصولاً إلى ليبيا وسوريا ومن ثم إلى اليمن والعراق ولبنان، هذا الذي أشعل نار الحرب العالمية الثالثة، ولا يمكن أن يتم إشعال نار الحرب بين دولتين عظميين، ساهمتا في تأجيج الصراعات المحلية والنزاعات الداخلية وإن كانت قد أخذت طابع الحراك السني.

عملت كل من أمريكا وإيران على حرف مسار الثورات السلمية في البلدان العربية وتغيير مسارها باتجاه المسار العسكري، وإدخال المجاميع المسلحة المتشتتة في هذا الحراك الذي تم تشويهه بشكل متعمد لحرفه عن الأهداف التي انطلقت في البدايات.

الخاسر الرئيسي في هذا الصراع

بالنسبة لعملية اغتيال شخصية كق

اسم سليماني هي بمثابة إيقاظ

الإيرانيين من غفوتهم، فهم باتوا يدركون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن الموقف الأمريكي اليوم لم يعد كما كان على عهد الرئيس الأمريكي السابق “بارك أوباما” الذي كان متساهلاً في موقفه يتراجع أمام أي قرار يتخذه أو أي مواجهة، فالأمريكان جادين في هذه المرة وخصوصاً ان الإيرانيين كانوا يخططون لعمل واسع جداً في العراق لاستهداف أمريكا لاستهدف السفارة الأمريكية.

وكان من المقرر استهداف السفارة من خلال مجاميع من الحشد الشعبي وكتائب خاصة منها كانت مخصص لها أن تقتحم السفارة، بأمرة الجنرال قاسم سليماني، وكان من المقرر أن تبدأ يوم الجمعة التي قتل فيها سليمان، لكن أمريكا عاجلت وقتلت كلا من سليماني والمهندس لإفشال هذا المخطط.

أمريكا في الشرق الأوسط هل ستبقى أم ترحل؟     

منذ إعلان التحالف الدولي القضاء على تنظيم داعش الإرهابي بداية العام المنصرم أعلن الرئيس ترامب عدة مرات أن الولايات المتحدة تريد سحب قواتها من سوريا ومن ثم يصدر قرار لتأجيل الانسحاب حتى اشعار آخر، فبات من الواضح أن ترامب لا يريد مغادرة سوريا والعراق.

فإن أمريكا جاءت إلى الشرق الأوسط لتبقى ولن ترحل، لما يحتله الشرق الأوسط من منطقة نفوذ هامة جداً بالنسبة لها، فلولايات المتحدة لا يمكن ان تتخلى عنها بهذه السهولة، قد تنسحب تكتيكاً، ولكن استراتيجياً لن تنسحب لأنها أهم مناطق النفوذ الأمريكي في العالم، نظراً لما يملكه من ثروات باطنية مما يستبعد انسحاب أمريكا من المنطقة.

فقد تعيد تموضعها في بعض قواعدها العسكرية إلا أن موضوع الانسحاب بات موضوع غير قابل للنقاش، لما قد تركه من فراغ فهي تتبع سياسة ملئ الفراغ، وإن تمت عملية الانسحاب سيأتي من يملئ هذا الفراغ، وبالتأكيد من سيملئ الفراغ بعدها لا يكون في سياق الصالح الأمريكي، إنما سيكون معارضاً لها ومخرباً لمشاريعها في هذه المنطقة.