لكل السوريين

هل يعيد كورونا صياغة العالم

لطفي توفيق

كورونا… عدو البشرية الأشرس.. والأخطر.. العدو الذي اجتاح جهات الأرض كلها.. دون صواريخ أو دبابات.. سيحصد ما شاء من الأرواح.. ويخرّب ما شاء من المؤسسات.. والقيم.. والعلاقات.. والثقافات.

وسيان إن كان قدومه البغيض من غضب الطبيعة على مخربيها.. أو من مختبرات الحرب البيولوجية المتخمة بالأشرس.. والأخطر.. ذات يوم.. سيحمل عصاه… ويرحل.. مخلّفاً ما يصعب توقعه من حالات كارثية ولكن الحال لن يكون بعد رحيله.. كما كان قبل قدومه. فالرعب الكوني الذي حدث بسببه تسبب في اهتزاز الثقة.. وربما انعدامها.. بمعظم الروابط الاجتماعية السائدة بين البشر.. والعلاقات القائمة بين الدول، وهو ما سيقود إلى انهيارها والبحث عن بدائل بعيدة عن روح الاستعلاء.. والتهميش.. والإقصاء.. والأنانية المفرطة.. ونهب خيرات الشعوب.. والسيطرة على مقدراتها.. وقراراتها.

اهتزاز الثقة.. وربما انعدامها.. بسلطة الرأسمالية المتوحشة.. وثقافة الاستهلاك التي سوّقتها.. وفرضتها لضمان استمرار هيمنتها على ثروات الشعوب.. وقراراتها.. قد لا يؤثر بشكل حاسم على الرأسمالية في المدى القريب.. ولكنه سيسهم في تسريع انهيارها الذي بدأ بالفعل، عند بلوغها المرحلة المتوحشة. اهتزاز الثقة.. وربما انعدامها.. بالدول التي تقوم على أكتاف العسكر.. وضع هذه الدول في مهب الريح.. فكل ترسانات الأسلحة التقليدية.. وغيرها.. لم تتمكن من مواجهة العدو المجهري المرعب، وواجهته الكوادر الطبية بسلاح العلم والبحث العلمي.. دون ان يقدم لها أحد وسائل الحماية.. ولو بحدودها الدنيا.. فالدولة الوطنية هي التي تؤمن الرعاية الصحية والحياتية لرعاياها.. بدلاً من تكديس الأسلحة لحماية أنظمتها.. أو إخضاع ونهب ثروات الآخرين.

وهذا ما قد يساهم في تراجع الطابع العسكري لمفهوم الوطنية.. واستبداله بالعلم والبحث العلمي في عالم ما بعد كورونا. اهتزاز الثقة.. وربما انعدامها.. بوهم العولمة على طريقة ترامب.. وأخلاق اقتصاد السوق.. سيضع الإنسانية أمام اختيارات جديدة للتأسيس لخطاب ثقافي وسياسي واقتصادي أكثر إنسانية.. وأخلاقية. ذات يوم.. سيحمل كورونا عصاه… ويرحل.. وستحاول الرأسمالية المتوحشة إعادة إنتاج نفسها بطرق أكثر مكراً.. وخبثا.. ولكن لن يكون الحال بعد رحيله.. كما كان قبل قدومه.