حاوره/ مجد محمد
أثبتت ثورة ١٩ تموز/ يوليو جدارتها لتكون المشروع الأمثل والأوحد في سوريا على وجه الخصوص وفي الشرق الأوسط عموماً، حيث أن هذه الثورة حصدت منجزات عسكرية وسياسية ودبلوماسية أثمرت نتائجها في ضل وضع خانق لسوريا، ومن أعظم ثمرات ثورة ١٩ تموز/ يوليو هو نموذج الإدارة الذاتية والتعايش المشترك وأخوة الشعوب ومن خلال تلاحم كافة المكونات ضمن الإدارة بما ينبذ التفرقة ويخلق نسيجاً مجتمعياً قوياً ومتماسكاً في ظل نظام ديمقراطي، وهذا ما أوصل الشعب إلى أنه يمكنه العيش سوياً بعيداً عن الخلافات والحروب، حيث أثبتت هذه الثورة بصورة جلية ومن خلال امتزاج دماء أبنائها بتراب هذه الأرض أنها مثال الأمة الديمقراطية الحقة، وكذلك من أعظم الانتصارات العسكرية لثورة 19 تموز هو الانتصار على القوى الظلامية (داعش).
وللحديث عن هذا الموضوع، وفي هذا الصدد عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ قيس الشيخ علي العضو في حزب التطوير الديمقراطي، ودار الحوار التالي:
*أستاذ قيس مرحباً بك بداية، قبل أن نتحدث عن ثورة ١٩ تموز ٢٠١٢، ما الذي يميزها عن الثورة السورية التي انطلقت عام ٢٠١١؟
أهلاً وسهلاً بك، الثورة السورية عام ٢٠١١ انحرفت عن قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وانغرست في الصراعات والانقسامات، بينما كانت ثورة ١٩ تموز أكثر التزاماً بهذه القيم وتطبيقاً لها، وكذلك الثورة السورية همشت أو قمعت المرأة، وفرضت عليها معايير جنسية صارمة، بينما ثورة ١٩ تموز أكثر تركيزاً على حقوق المرأة وتمكينها، فقد أسست نظاماً من القيادة المشتركة بين الرجل والمرأة في جميع مستويات الإدارة واتخاذ القرار، كما أنشأت منظمات ومؤسسات خاصة بالنساء، مثل وحدات حماية المرأة، التي لعبت دوراً رئيسياً في محاربة داعش، وأيضاً الثورة السورية انحرفت عن مسارها لتكون مضلة تحمي الجميع واتجهت صوب الطائفية والاسلاموية، بينما ثورة ١٩ تموز أكثر تنوعاً عرقياً ودينياً وتسامحاً، فقد اعترفت بحقوق جميع الشعوب والمجتمعات في شمال وشرق سوريا، وأنشأت ثقافة من التعايش والتعاون بينهم.
*دور المرأة كان بارزاً في ثورة ١٩/تموز، حتى إنه سميت الثورة بثورة المرأة، تحدث لي عن ذلك؟
أعادت ثورة ١٩ تموز في شمال وشرق سوريا إحياء تاريخ مقاومة المرأة مرة أخرى، وأعادت إليها حقيقتها التاريخية التي لم تدون منذ آلاف السنين والتي طالما حاول الجميع طمس هويتها، فكانت مقاتلات وحدات حماية المرأة قوة فاعلة في المقاومة ضد مرتزقة داعش، واندهش العالم من مقاومة المقاتلات، فتم كتابة العديد من الكتب والأفلام الوثائقية حول مقاومة وكفاح المقاتلات، وكذلك ضمن نظام الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تشغل النساء ٥٠٪ من المناصب الإدارية وتشترك في رئاسة نظام الإدارة وتم إنشاء العشرات من المنظمات والمجالس النسائية الخاصة، حيث تعمل هذه المنظمات والهيئات من أجل توعية المرأة وتنميتها، في عام ٢٠١٣ تم تشكيل وحدات حماية المرأة YPJ لحماية أنفسهن ووطنهن من الهجمات، كما أن هذه الوحدات أحدثت ضجة في العالم بمقاومتها في الحرب ضد داعش، واندهش العالم من مقاومة نساء المنطقة وسقط قناع الوعي المنخفض الذي ترسخ في المجتمع وغلفه والذي اعتبر أن المرأة لا حول لها ولا قوة، فكانت المقاتلات إرادة المرأة الحرة وجعلن قوة المرأة مثالاً يحتذى به في العالم أجمع، وحتى اليوم يحتل دور ومهارات المرأة مكانة مهمة ورئيسية في نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، وكما تركن بصماتهن على الثورة، أصبحن الآن رمزاً بارزاً للإدارة الذاتية حيث يتواجدن في المناصب القيادية في جميع المجالات.
*هجوم المرتزقة السوريين على مدينة رأس العين عام ٢٠١٣، كان الاختبار الأول لنجاح الثورة، هل تتفق مع هذا القول؟
نعم، الثورة في شمال وشرق سوريا وما حققتها من مكاسب على الأرض خلافاً لما كان عليه الوضع في بقية المناطق السورية ازعجت أطرافاً إقليمية تدخلت في الثورة السورية التي تحولت إلى أزمة حقيقية فيما بعد، حيث بدأت تلك القوى تتربص عبر وكلاء لها على الأراضي السورية، وكان أول تهديد للثورة في شمال سوريا من جماعات أطلقت على نفسها مسمى (الجيش الحر) وجماعات مرتزقة أخرى من جبهة النصرة، حيث شنت هذه المجموعات هجمات قوية على المناطق الجنوبية في إقليم الجزيرة شمال شرق سوريا، وكانت أعنف الهجمات قد شهدتها مدينة رأس العين التابعة للحسكة عام ٢٠١٣ قادتها جبهة النصرة، وفي تل حاصل وتل عرن وبدعم وتوجيه تركي واضح وعلني، ثم شهدت عفرين و كوباني هجمات مماثلة، لكن التحدي الأبرز كان في رأس العين التي واجهت عدواناً كبيراً، كان أول اختبار حقيقي نجحت وحدات حماية الشعب والمرأة باجتيازه.
*مدينة كوباني هي نقطة التحول الكبيرة في الثورة، وضح ذلك؟
في التاسع عشر من تموز عام ٢٠١٢ وبوعي وتخطيط مدروسين بعناية خرج أبناء مدينة كوباني إلى الشوارع ورفعوا أعلام الثورة على المباني دون أن يقعوا في فخ الأزمة السورية، ولم يصبحوا طرفاً في النزاع الذي سرعان ما تحول إلى نزاع مسلح أشبه بحرب أهلية، فكانت مدينة كوباني هي مدينة انطلاق الثورة، ولا يختلف أحد على أن كوباني عادت لتكون نقطة تحول في مجرى أحداث ثورة شمال وشرق سوريا مرة أخرى حينما كسرت هجوماً قوياً لداعش أوائل عام ٢٠١٥، ففي منتصف شهر أيلول عام ٢٠١٤ شن داعش هجوماً قوياً على مدينة كوباني من ثلاث جهات، بينما كانت الجهة الرابعة هي تركيا وكانت إحدى مقاطعات الإدارة الذاتية والمقاطعة التي تتوسط المقاطعات الثلاث في خطر السقوط، وكان داعش يمتلك حينها قوة كبيرة من ناحية العدة والعتاد، لكن داعش الذي لم يخسر قبل ذلك الحين أية معركة خاضها خسر معركة كوباني أمام وحدات حماية الشعب والمرأة التي خاضت حرب شوارع حامية الوطيس لمدة ١٣٤ يوماً متواصلاً، وإذا ما سقطت كوباني في ذلك الحين كانت مقاطعتا الجزيرة وعفرين مهددتان بالسقوط ما يعني انهيار الثورة، لكن الأمور انعكست بفضل جهود أبناء المنطقة الذين واجهوا داعش، وبعد تحرير كوباني في ٢٦ من كانون الثاني عام ٢٠١٥ دخلت المنطقة مرحلة جديدة فبدأت حملات تطهير المنطقة من الجماعات المرتزقة وانتقلت الثورة من مرحلة الدفاع إلى مرحلة التحرير.
*حتى الآن وبعد ١٢ عام على اندلاع الثورة، لم يعم الأمان بشكل كافي، والتهديدات مستمرة.. كيف ذلك؟
مما لا شك فيه أن الجهات التي تتربص بأمن الأراضي السورية ووحدتها لا تكف عن تهديد المنطقة سواء بشكل مباشر، أو عبر وكلاء لها في المنطقة كما حصل مع تركيا وداعش سابقاً وجماعات مرتزقة من القاعدة حالياً، ورغم ذلك فأن مناطق الإدارة الذاتية تعيش الآن حالة أمن واستقرار لا يوجد في بقية المناطق السورية سواء الخاضعة لسيطرة النظام أو تلك التي تحتلها تركيا، لكن ذلك لا يرضي هذه الجهات التي لها مصالح تتعارض مع مصالح شعب المنطقة، فمنذ اليوم الأول لانطلاق الثورة وحتى يومنا هذا لا تكف أطراف إقليمية ومحلية عن المحاولة عبر انتهاج سياسات معادية هدفها إفشال الثورة وضرب المكتسبات التي حققتها، ولعل أبرز الجهات التي تهدد المنطقة هي الدولة التركية التي ترى ثورة شمال وشرق سوريا والتطورات في شمال سوريا تهديداً لها.
*ختاماً كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..
إن ثورة شمال وشرق سوريا مختلفة كلياً عن بقية الثورات، فهي ثورة مفاهيم وقيم ومبادئ تخلى عنها العالم منذ أن سيطرت الحداثة الرأسمالية على العالم، فهذه الثورة المباركة التي انطلقت شرارتها الأولى من كوباني وانتشرت كالنار في الهشيم في مناطق شمال وشرق سوريا بين شعبها، كون هذا الشعب كان متعطشاً للحرية والقيم الإنسانية، ثورة ١٩ تموز صنعت واقعاً جديداً من قلب العالم في الشرق الأوسط، حيث منبع الحضارات والأديان والثقافات المتنوعة.