لكل السوريين

تفاقم ظاهرة الشحاذين والتسول باستعمال الأطفال

تقرير/ سلاف العلي

تعتبر ظاهرة التسول من أكثر الظواهر التي تؤرق المجتمع والحكومات المسؤولة عن أي بلد، حيث لا يخلوا بلد في هذا العالم من هذه الظاهرة التي تنتشر بأشكال عدة.

تشهد ظاهرة التسول بوساطة الأطفال تفاقما كبيرا خلال السنوات الأخيرة، في اللاذقية ومدنها، خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة حيث برز أشخاص يستعملون الأطفال لإثارة عواطف الناس، ولذلك تحولت الكثير من الأحياء والطرقات لأشخاص امتهنوا التسول كحرفة مربحة.

لقد أصبح من الطبيعي رؤية طفلا يتجول أمام المراكز والمحال التجارية وفي الأسواق العامة ليسأل المارة بعضا من النقود بدلا من أن يكون على مقاعد الدراسة يتابع الحياة الطبيعية، ظاهرة التسول بالأطفال تشير إلى خلل حقيقي في النظام الاجتماعي والتربوي في مجتمعنا، وهي ترخي بظلالها لتسلب خلايا الترابط الأسري المجتمعي ، حيث ان الاطفال المتسولون هم ضحايا ، لأنهم أطفال قصر وفي طور النمو فهم ضحايا لفقدان المعيل، ضحايا للجهل والبطالة والاستغلال وغياب العدالة الاجتماعية ولقصور دور مؤسسات المجتمع المعنية والجمعيات الأهلية والخيرية وتقليص مساعداتها.

وان مساعدتهم في امتهان التسول وتقديم المبالغ المادية لهم مهما كانت بسيطة بالتأكيد لن يكون حلا لمشكلتهم، بل على العكس هو سلوك يوصل لهم رسالة تربوية خاطئة مفادها الاستسهال في كسب الرزق وعدم احترام كرامتهم الإنسانية وتشجيعهم على إذلال أنفسهم وتدني تقديرها، لأن الشخص السوي نفسيا وتربويا واجتماعيا يرفض مد يده وتعفف نفسه عن السؤال على خلاف من تبلدت مشاعره ولم تعد لديه مشكلة في التذلل للمارة والتشبث بهم للحصول على المساعدة.

ما الذي يمكن انتظاره من أطفال تتجول في الشوارع والأسواق العامة وتتعرض يوميا لأبشع المواقف على المستويين النفسي والجسدي، فأطفال التسول اليوم هم كبار الغد، عن أي هوية مبهمة وملوثة ومريضة ستكون للمجتمع.

ازدادت عمالة الأطفال في اللاذقية، نتيجة تدني الأوضاع المعيشية واستمرار تدهورها، وغالبا ما ينتشر الأطفال على إشارات المرور أو بالقرب من مطاعم الوجبات السريعة، أو في الأسواق، وعديد منهم يفترشون الشارع ليناموا بعد يوم متعب، وتشكل الحدائق منزلا لكثير من الأطفال والمشردين أيضا، حيث ينامون فيها بالعراء صيفا وشتاء مع الاستعانة ببعض أوراق الكرتون، دون أي تدخل من الجهات المعنية في اللاذقية.

في إحدى زوايا شارع “هنانو” وسط المدينة، كان طفل يمد يده للمارة طالبا المال ليأكل كما قال، وفي حوار سريع معه، قال إن اسمه أيهم، وعمره 12سنة، وقد طرده والده من المنزل قائلا له إنه لا ينفع بشيء، حسب رواية الطفل، وأضاف أن والده طلب إليه ألا يعود إلى المنزل إلا وقد أصبح رجلا قادرا على تدبير أموره، فهو (الوالد) لا يمكن أن يطعمه، ويخبره أن عليه أن يعمل، ومن الصعب التحقق من رواية الطفل، وربما تكون للاستعطاف، إلا أن مجرد وجوده في هذا المكان وهو يتسول الأموال من المارة، يعتبر انتهاكا صارخا بحق الطفولة، بحسب التشريعات والقوانين المحلية والدولية، ويعبر عن فشل حكومي في إدارة البلاد ومساعدة مواطنيها على تجاوز أزماتهم.

يعمل الأطفال في محافظة اللاذقية بعديد من النشاطات المجهدة، كما في أعمال البناء وورشات الدهان، أو في تصليح السيارات بمنطقة الصناعة، حيث يوجد عشرات الأطفال الذين تعلو وجوههم وأجسادهم الشحوم السوداء، بينما يقومون بفك السيارات والمساعدة في إصلاحها، يحدث كل هذا على مرأى ومسمع الجهات الحكومية المعنية، التي من المفترض بها أن تكون مسؤولة عن أولئك الأطفال، والعمل على إعادتهم إلى مدارسهم، ويعمل قسم كبير من الأطفال بالتسول ونبش القمامة وبيع البسكويت أو المحارم أو الورود، وبات مشهد طفل وهو يدخن شائعا في المدينة.

فإن ظاهرة التسول انتشرت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة بمدينة اللاذقية، حيث أن العديد من الأشخاص تعرضوا للاعتراض من قبل المتسولين في شوارع المدينة، حيث إن مجموعة من المتسولين اعترضوا شابا عند الساعة الثانية عشر ليلا في شارع الجمهورية بالقرب من كازية حيدرة بمدينة اللاذقية، حيث قاموا بسرقة مبلغ مالي من الشاب، قبل أن ينهالوا عليه بالضرب، ما أدى آنذاك إلى إصابته برضوض خفيفة في جسده.

السيد نمير وهو محام قال: ان المادة الخاصة بهذا الشأن عدلت بالقانون (٨) لعام ٢٠١٩ والقانون (١٥) لعام ٢٠٢٢ وتنص: “كل من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره أو عاجزاً إلى التسول بأي طريقة كانت جراً لمنفعة شخصية عوقب بالحبس مع التشغيل من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة ١٠٠ ألف ليرة سورية”.

لكن تسول الأطفال ظاهرة مقلقة وعقوبتها تحتاج إلى تعديل، أما فيما يخص المتسولين بشكل عام فقد عدلت المادة (٥٩٦) بالقانون (٨) لعام ٢٠١٩ والقانون (١٥) لعام ٢٠٢٢. ” من كانت له موارد أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان؛ صراحةً أو ضمناً عوقب بالحبس مع التشغيل من شهرين إلى سنة وبالغرامة من ١٠٠ ألف إلى ٥٠٠ ألف ليرة سورية.”

وإن العقوبات تصل إلى ثلاث سنوات سجن وهي عقوبة ليست بالسهلة، ولكن ربما نكون بحاجة ماسة لزيادة الغرامة. وبالتالي يجب تشديد الغرامات على الأشخاص الذين يستغلون الأطفال في التسول ولا بأس برفع سنوات السجن للضعف أيضا ومنع أي سبب مخفف للعقوبة وعدم تشميلها بأي مرسوم عفو، ليس لكونها ظاهرة التسول ولكن بسبب استخدام الأطفال فيها والقضاء على حاضرهم ومستقبلهم، واستخدام الأطفال بالتسول أشد ضررا، وجرمه أكبر من التسول نفسه ولذلك التشدد مبرر جدا.

يضاف إلى الحلول أيضا تنظيم حملات توعية وتثقيف في الإعلام وخاصة في الدراما لكونها الأكثر تأثيرا في الآونة الأخيرة إلى جانب حملات في مواقع التواصل الاجتماعي وجهود جماعية من المنظمات والجمعيات إلى جانب الجهود الحكومية، كما يمكن لنبذ هذه الظاهرة في المجتمع فعدم تقديم المال والمساعدة للأطفال المتسولين من قبل الجميع له تأثير أيضا على إنهاء هذه الظاهرة المزمنة.

- Advertisement -

- Advertisement -