لكل السوريين

انتشار الفقر والأمية وعدم وعي الأهالي أدت إلى ارتفاع نسبة عمالة الأطفال

حاوره/ مجد محمد

تعاني المجتمعات في جميع أنحاء العالم من انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال التي تسمى بظاهرة عمالة الأطفال، إذ إن حوالي ٢٥٠ مليون طفل تقريباً يعملون في مختلف مناطق العالم في وقتنا الحاضر، منهم ما يقارب ١٥٠ مليون طفل يعملون في مجال الأعمال الخطرة، وحوالي أكثر من مليون طفل من أولئك الأطفال يتعرضون لعملية الاتجار بالبشر، وقد عانت المجتمعات منذ القدم من ظاهرة عمالة الأطفال، فقد انتشرت بين المدن المتقدمة صناعياً، و الدول النامية والفقيرة، وتعد هذه الظاهرة العالمية مشكلة معقدة، خصوصاً في المجتمعات التي يكون مصدر عمالة الأطفال نابعاً عن الثقافة والتقاليد السائدة في ذلك المجتمع، أو عندما تكون ناتجة عن بنية البلاد وظروفها الاقتصادية، لذا حصلت مشكلة عمالة الأطفال على اهتمام متزايد خلال العقد الماضي.

وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ محمود الدكر، رئيس قسم المتابعة في مديرية الشؤون المدنية بالحسكة، ودار الحوار التالي:

*أستاذ محمود مرحباً بك بداية، يصادف في هذا الأسبوع، اليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال، لمحة بسيطة عن هذا اليوم؟

أهلاً وسهلاً بك، أطلقت منظمة العمل الدولية عام ٢٠٠٢ أول يوم عالمي لمواجهة ظاهرة تشغيل الأطفال أو عمالة الأطفال، وذلك بهدف لفت انتباه العالم إلى هذه المشكلة، والتعاون بين جميع دول العالم من أجل الحد والقضاء على هذه الظاهرة، وقد تم اختيار تاريخ ١٢ يونيو/حزيران من كل عام ليكون اليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال، لضمان التعاون الدولي واستمرار الدعم المقدم من كل من: المجتمع المدني، ومنظمات العمل والعمال، وأصحاب العمل، والحكومات، وغيرها من المؤسسات لمكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال، وتتمثل أهمية اليوم العالمي في أنه يزيد من سيطرته ودعمه لقوة الحركة العالمية، ويضمن وجود اعتراف من الجميع يتجاوز منظمة العمل الدولية، وقد بدأت المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية وعدد من الشركاء الاجتماعيين بالتخطيط والمساهمة في الحد من ظاهرة تشغيل الأطفال بشكل مستقل عن منظمة العمل الدولية.

*ما هي أسباب انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال؟

انتشار الفقر والأمية بين الأهالي في بعض المجتمعات، ووجود حاجة إلى عمل الطفل للحصول على دخل يؤمن احتياجات الأسرة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة لدى الأسرة، وعدم وعي الأهالي بالآثار السلبية والضارة الناتجة عن عمل الأطفال في سن مبكر، وكذلك الافتقار إلى المهارات الاجتماعية الأساسية، وارتفاع نسبة البطالة بين البالغين من الأهالي، وانتشار بعض القيم الثقافية التي تشجع على عمل الأطفال في بعض المجتمعات، وأيضاً المشاكل المالية والديون المتراكمة التي تعاني منها بعض الأسر، ما قد يدفع الأطفال للعمل لسدادها، والتسرب المدرسي، وزيادة الهجرة الحضرية، والنزاعات والكوارث الطبيعية كالجفاف التي تؤثر على توفر أهم احتياجات الأسرة، بالإضافة إلى استغلال أصحاب العمل للأطفال لأنهم يتقاضون دخلاً أقل من البالغين، وفي نفس الوقت لا يعرفون حقوقهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال، وانتشار الجهل، والافتقار إلى التعليم الأساسي والمهني الجيد.

*بعد معرفتنا الأسباب، دعني اسألك عن النتائج التي تترتب على هذه الظاهرة؟

الآثار والنتائج كثيرة، ومنها حرمان الأطفال الذين يعملون في سن مبكر من طفولتهم، ومن حقهم في التعليم، وحقهم في امتلاكهم مهارات اجتماعية وأساسية تمكنهم من العيش ضمن هذا العالم الذي يتطور باستمرار، وكذلك تهديد أخلاق الطفل والمس بكرامته خصوصاً في حالات الاستغلال الجنسي، وتعريض الأطفال العاملين للعديد من المشاكل الصحية كسوء التغذية، والشيخوخة المبكرة، والمشاكل النفسية كالاكتئاب، إضافة إلى زيادة فرصة الإدمان على الكحول والمخدرات، واستغلال أصحاب العمل للأطفال بمختلف الطرق، بسبب عدم وجود حماية لهم وخصوصاً الأطفال المختطفين، حيث يحاول أصحاب العمل عزلهم عن الآخرين، وفرض السيطرة المطلقة عليهم، وعدم توفير ظروف مناسبة للعمل لهم، وانتهاك حقوقهم الطبيعية الأساسية.

*في ظاهرة عمالة الأطفال، هل هم على مستوى واحد، أم إن هناك تصنيفات؟

في المنطقة نقسم أساسياً الأطفال العاملين إلى ثلاث فئات، وهم الأطفال المستخدمون وتعد فئتهم الفئة الأكثر انتشاراً على مستوى المنطقة والعالم، وتشمل عمل الأطفال في جميع أنواع الأنشطة الإنتاجية المدفوعة، وبعض الأنشطة غير الإنتاجية، كإنتاج السلع المنزلية الخاصة بالاستخدام الشخصي وهذا لا يعد نشاطاً اقتصادياً أو عمل الأطفال في خدمة منازل الآخرين، ومن الجدير بالذكر أن الأنشطة الاقتصادية ضمن هذه الفئة لا تقتصر على الأنشطة القانونية، لكنها تشمل أيضاً الأنشطة غير القانونية، والأطفال العاملون أو العمال الأطفال، وتعد فئة العمال الأطفال أو الأطفال العاملون الفئة الأكثر تقييداً من الفئات الأخرى مع وجود بعض الاستثناءات، وتشمل هذه الفئة الأطفال الذين تزيد أعمارهم على ١١ عاماً ويعملون لساعات قليلة بأعمال خفيفة لا تعيقهم عن ممارسة أنشطته الأخرى كالذهاب إلى المدرسة أو التدريب المهني، ويستبعد من هذه الفئة الأطفال الذين تزيد أعمارهم على ١٤ عاماً والذين لا يشاركون بأداء أية أعمال خطيرة، والأطفال في الأعمال الخطيرة، وتشمل فئة الأطفال في الأعمال الخطيرة الأطفال الذين يعملون في أي عمل خطير، وهو العمل الذي يعرضهم إلى العديد من الأضرار سواء المتعلقة بسلامتهم وصحتهم الجسمية، أو المتعلقة بحالتهم المعنوية وصحتهم النفسية.

*هنا في المنطقة، ما هي اسوأ أو أقسى أنواع تشغيل الأطفال؟

الأشكال التي تشمل تجارة الرقيق والممارسات التي تشبهها، كالاتجار بالأطفال وبيعهم، وهذا النوع انتشر كثيراً في خضم الأزمة السورية مؤخراً، وعمل الأطفال بالسخرة، والعمل القسري، والتجنيد الإجباري لاستخدامهم في النزاعات المسلحة، واستخدام الأطفال للأغراض الجنسية، واستخدام الأطفال في الأنشطة غير المشروعة، وخصوصاً في مجال إنتاج المخدرات والاتجار بها، واستخدام الأطفال للعمل في ظروف صعبة وخطيرة تضر بصحتهم، وسلامتهم، وأخلاقهم.

*كيف نحد من انتشار هذه الظاهرة؟

هناك عدة حلول، منها تقع على عاتق الأفراد وكذلك الأسرة وأيضاً الدولة، مع التنويه إلى أنه يجدر بكافة الجهات المسؤولة عن الحد من ظاهرة تشغيل الأطفال  الاتجاه أولاً نحو الأسرة، فهي الأساس في دفع الطفل للعمل، وفي حال علاج الأسباب لدى الأسرة وإيجاد الحلول اللازمة لتحسين حال الأسرة، فمن المؤكد بأن الأسرة لن تلقي بأطفالها نحو الشارع وتدفعهم للعمل، فيجب معالجة الفقر الذي تعاني منه الأسر، والذي يؤثر سلباً على تعليم الأطفال ورعايتهم، والتخلص من مشكلة البطالة للكبار، والتي تؤدي إلى عدم حصول الأبوين على عمل يفي بمتطلبات الحياة الأسرية، ومعالجة مشكلة تدني مستوى الدخل، إذ بات الأبوين غير قادرين في الوقت الحالي على تأمين أدنى متطلبات أطفالهم، وضرورة وجود شبكة اجتماعية آمنة وفاعلة، قادرة على تأمين الأسر بمصدر بديل للدخل في حال عدم الحصول على العمل، وذلك تجنباً لدفع الأطفال نحو العمل من أجل جلب المال، وعلى عاتق الافراد، التبرع بمبالغ مالية حسب القدرة، من أجل دعم البرامج التي تهدف لحماية الأطفال من العمل، وتجنب تعرضهم للعنف وسوء المعاملة، والمبادرة في رعاية الأطفال المعرضين للعمل، وذلك من خلال التكفل بدراستهم، وهذا حتماً يساعد على بناء مجتمع جيد يهيئ الأطفال جيداً قبل دخولهم لمجال العمل، والتطوع بالوقت للسعي والبحث عن الأطفال العاملين، ومحاولة مساعدتهم، وتخليصهم من هذا الاستغلال، وإرجاعهم للمدارس حتى يكملوا تعليمهم.

*ختاماً، كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك…

يجب التنويه إلى أنه ليس أي عمل يقوم به الطفل يمكن أن يطلق عليه مصطلح عمالة الأطفال، فهناك حد أدنى يجب على الأطفال المشاركة بها والتي من شأنها تعليمهم المسؤولية والاعتماد على النفس، حيث تساهم هذه الأنشطة في نمو الطفل وتزويده بالمهارات والخبرة، وتساعد في إعداده ليكون عضو منتج في المجتمع خلال حياته البالغة.