لكل السوريين

قهوة الشعار من أقدم المقاهي البائدة بحلب.. ما هي تفاصيل قصتها؟ وما الأسرار التي أخفتها؟

حلب/ خالد الحسين 

في القرن الثامن عشر اشتد الصراع بين البدو والعثمانيين، ومنع البدو من دخول حلب، فصاروا ينصبون خيامهم في كرم البيك قريبا من حلب.

وكان المسؤول عن تجارة الاغنام موظف كبير بدرجة بيك، يسمى بيك الغنم، ويجب ان يتصف بيك الغنم بأنه من بيكوات العرب ويتحلى بالأخلاق والسمعة الحسنة، وذلك لكي يثق فيه البدو، ويتكفل بعدم الاعتداء عليهم أو اعتقالهم حين تتم صفقات البيع بين البدو والعثمانيين، وكان تحت تصرف بيك الغنم كرم كبير شرق حلب يسمى كرم البيك.

ومازال في حلب ينقسم آل البيك الى قسمين، القسم الأول يسمى بيك الغنم، وأما بيكوات المدينة وأغلبها من أصول تركية فتسمى بيك القطط للتميز بين عائلات البيك المختلفة.

ترك العثمانيون ثغرة قارلق لدخول اللحوم الى حلب، فقد كانوا بحاجة لمنتجات البادية من الأغنام، وصارت تتم الصفقات في أرض سهلة محاذية لجبل الصفا تسمى قديما بالسد، أي انها بحسب اللهجة البدوية بقرب الجبل (سد الجبل)، وكان فيها أشجار لوز (عقابية) وسميت بسد اللوز.

كلمة سد هنا لاتعني سد ماء على الرغم من وجودها قرب قناة حيلان التاريخية بل تأتي بمعنى (محاذي للجبل) انقرضت هذه الكلمة من حلب، لكنها بقيت في لهجة حريتان لتشير الى الأراضي المحاذية لجبل حريتان، حيث تقسم أراضي حريتان إلى جبل وسد.

على أطراف سد اللوز بنيت قهوة الشعار بعد دخول إبراهيم باشا الى حلب عام 1832 ,حيث سمح للبدو بدخول حلب، لكنهم لم يكونوا يفضلون دخولها لأنها لا تناسب انعامهم فقد كان البدو يفضلون التخييم قرب حلب وعقد الصفقات في قهوة الشعار.

كانت أبرز البضائع هي الغنم وشعر الماعز وشعر الجمال، وكان الشعار هو الذي يقوم بقص شعر الماعز والجمال وتجارتها، فهي المادة الأساسية لصناعة بيوت الشعر.

فالشعار مهنة معتبرة في ذلك الزمان، وكان يجدل شعرتين أو ثلاثة من  ذيل الفرس ويعالجها بالماء والصمغ العربي من أجل صناعة أوتار الربابة ويبيعها للبدو  .

والربابة هي أقدم الآلات الوترية ،وجاء اسمها من كلمة ( رب) بمعنى الإله ،حيث كانت قبل الإسلام تعزف عليها مزامير داوود ،حتى ان داود عليه السلام ذكرها في المزمور 33 في الزبور ( العهد القديم سفر المزامير 33).

بعد الإسلام استعيض عن الربابة بالدف والمزهر للإنشاد .

وفي قهوة الشعار كانت تعقد بعض الصفقات الممنوعة  ،إذ  كانت مقرا لشراء السلاح والذخيرة من قشلة الترك ( ثكنة هنانو) عن طريق بعض الضباط الفاسدين .

و كان البدو يقاتلون العثمانيين بسلاح وذخيرة عثمانية .

كذلك كان تعقد صفقات بيع لحم البقر المفروم ليدخل سراً الى قارلق ويمزج بالخروف على سبيل الغش ،وأقيم من أجل ذلك مذبح قريب في جورة عواد يسمى الآن بخان البقر،ولم يكن يسمح آل البيك بمثل هذه الصفقات على أرضهم ،لذلك شيد المذبح خارج كرم البيك  .

قهوة الشعار مرتبطة بالباب ارتباطا وثيقا ،وذلك لأن تجار الباب موثوقين من الطرفين البدوي والعثماني ،وهذا مايفسر لنا ان القصابة وتجارة المواد الغذائية في حلب تقوم على كاهل تجار من أصول بابية .

وكانت   الحناتير القوية تنطلق  صباحا من قهوة الشعار وتصل عصرا الى الباب  ،وبعد دخول السيارات الى حلب كانت مركزا لأنشط كراجاتها ،حيث يمكنك الوصول الى الباب بواسطة الدوزطو 12 راكب خلال نصف ساعة .

تعتبر قهوة الشعار مقرا لاقتصاد الماشية والانعام ،وبقيت القهوة  صامدة حتى دخول الباصات الى حلب في الخمسينيات من القرن العشرين ،وأدى دخول الباص الى ربط قرية( بابلي والصاخور ) بحلب ،فنمت بابلي وتوسعت قارلق لتصل اليها،وتحولت تجارة الماشية بعد الزحف العمراني  الى جبرين وأدى ذلك الى هدم قهوة الشعار  ونسيانها .

أصاب آل البيك ربحاً كبيراً من تجارة الأغنام ،وتسمى عائلة البيك باسم بيك الغنم لتمييزها عن باقي آل البيك كما ذكرنا سابقا  ،وهم تجار أغنام  في كثير من البلاد ،ولم يكونوا يدخلون إلا في صفقات الأغنام حيث يعتقدون ان في الأغنام بركة حتى لو  خسروا فيها  ،ويبتعدون عن الصفقات المشبوهة والغش ،لذلك فإن عائلة  بيك الغنم اصابت سمعة مرموقة بالاضافة الى الربح الوفير،ومن اعلام بيك الغنم الاستاذ المحامي  جلال البيك ابو احمد عاشق كرم البيك .

انتقلت مهنة ترحيل الاغنام وتجارتها في النصف الثاني من القرن العشرين من آل البيك الى آل شويحنة وكذلك لمع اسم( زيدو )منذ بداية التسعينات في هذا المجال .