لكل السوريين

حقوقي سوري: “الاستهداف الإسرائيلي الأخير ضد الوكلاء، بمثابة رسائل مبطنة لإيران”

حاوره/مجد محمد

من الواضح أن المنطقة آتية إلى تحولات كبرى غداة الحرب بين إسرائيل وحماس، وليس بعيداً عن التصور أن تؤدي إلى حرب واسعة تشمل الضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن والعراق وربما غيرها، مثل هذه الحرب قائمة أصلاً اليوم بشكل خافت وبطيء ويمكن أن تتفجر بشكل أكبر في أحدى هذه الساحات أو في جميعها سويا، طالما أن سمة التصعيد الميداني بشكل مباشر إن كان بين الوكلاء أو خلف الكواليس بين الأصلاء، وبعيداً عن مآلات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد ومساعي الدول الإقليمية لفرض هيمنتها على دول المنطقة كتركيا وإيران، التي عاثت خراباً منذ ما عرف بالربيع العربي، ما يحدث من متغيرات ناتجة عن هذا التنافس والتصعيد والوضع المحتقن هو نتيجة الصراع الدولي القائم بين روسيا والغرب الذي من خلفه الولايات المتحدة الأمريكية، فالظاهر إنه لا شريك دولياً من أجل صنع سلام حقيقي في المنطقة الملتهبة، هذه التطورات كلها تستحق قراءة جديدة في المنطقة برمتها وعلى وجه الخصوص الأوضاع في سوريا من قبل السوريين قبل غيرهم، وكذلك مراجعة تتخطى آلام ثلاثة عشرة سنين عجاف منذ أول يوم من الأزمة وتتفحص مآلات البلد أو ما بقي منه.

إذا وقعت حرب كبرى تشبه بتفاصيلها الحرب العالمية الثانية وتركت الأمور والقضايا لفوضوية المشهد المرسوم مسبقاً من قبل لاعبين عابثين بمصير هذا البلد أرضاً وشعباً، معالم التقسيم اليوم رُسمت بكل وضوح فهي مقسمة لثلاث مناطق تسيطر على كل منها طرف مناقض للطرف الآخر ومختلف، وقوى أمر فرضتها واقعية الميدان والسياسة تحت بنادق القوات المحلية والدولية، انقسام يترسخ يوم بعد يوم بدعم الجهات الإقليمية المنطلقة من أجندتها التاريخية والسياسية وعلى رأسها أنقرة، التي تدخلت منذ اليوم الأول بشكل سلبي عبر آلتها الخشنة لتقضم أجزاء واسعة من هذا البلد المكلوم، ولتحتل مساحة جغرافية كبيرة تتجاوز مساحة دولة لبنان، واقع خلق حالة من التعقيد والتشابك يعيشها الملف السوري بين أزمات داخلية وتدخلات خارجية إقليمية ودولية منذ آذار/ مارس/ ٢٠١١ تاريخ انطلاق الحراك الشعبي في سوريا كآخر دولة مر فيها ما يعرف بقطار الربيع العربي، والذي لم تكن سكته سالكة كباقي الدول الأخرى التي أجبرت رؤساء الدول على حجز تذكرة كرسي الحكم وخاصة وأن السلطة في سوريا نجحت في البقاء على رغم كل ما جرى، مما فرض على جهات كانت معارضة للرئيس السوري بشار الأسد على التعامل معه كأمر واقع، قضية السوريين والأزمة السورية عقدت تحت عنوانها العديد من الاجتماعات واللقاءات والمؤتمرات لتسقط الأيام فيما بعد ورقة التوت عن عورات كل من ادعى الاهتمام والعمل لإنقاذ السوريين، ولتكذب وتكشف الوقائع على الأرض بأن السوريين وجغرافيتهم كانوا ضحية البازارات السياسية بين العديد من الأطراف، على الرغم من الجهود الدولية لإنهاء الصراع في سوريا والتوصل لحل سياسي على قاعدة القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري، إلا أن هذه المحاولات لاتزال بعيدة عن الواقع السياسي، بل على العكس وزعت دم السوريين وسكب على عتبات القاعات وقتلت طموحاتهم برماح البازارات والصفقات، فكيف يمكن أن يكون هناك حل في هذا الإقليم الملتهب والتي تعتبر سوريا الحلقة الأضعف فيه؟

وفي هذا الخصوص وبهذا الشأن عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الحقوقي والعضو في مؤسسة إنقاذ سوريا الأستاذ طلحت العساف، ودار الحوار التالي:

*أستاذ طلحت مرحباً بك بداية، ما المتغيرات التي تحدثها هذه المعطيات في حماس وإسرائيل، وهل نستطيع اعتبار سوريا الحلقة الأضعف في هذه الحرب الكبرى؟

أهلاً بك، بداية دعني أقول إنها حرب من نوع خاص وقد لا تكون حرب كبيرة من دون مبالغة، فهي غالباً ما تكون توجه إقليمي من أجل إفشال مشروع الامتداد الاقتصادي، هذا المشروع الذي تراه إيران أنه مشروع مهدد للبنية الاقتصادية ومشاريعها التي بنتها هي وروسيا سوية من أجل السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، هذا المحور لا أتخيل إنه سوف يتطور إلى مرحلة عالية جداً، ولو كان سيتطور كان من الممكن إنه سنشهد مواجهات مباشرة مع إيران ولكن كل طرف يحاول أن يستخدم الأدوات التنفيذية لديه مثل حزب الله وحماس وغيرها.. ولو كان هناك توجه من أجل أن تتحول الحرب إلى حرب دولية وعلى مستوى الإقليم بشكل كامل كان من المتوقع أن يكون حزب الله دخوله سريع في هذه المعركة، لكن التدخل الآن لدى حزب الله لا يزال خجولاً رغم أن الأمين العام لحزب الله قال إن حزبه أقدم على ٣٦٥ عملية في الشمال الإسرائيلي ومنها عمليات نوعية، ولكن تبقى تلك العمليات محدودة وتأخذ مجال الرد والرد بالفعل ولم يحدث توغل لقواته ولا تسلل مقاتلين من جنوب لبنان إلى إسرائيل ومنطقة الجليل، وبالنسبة لسوريا أتفق معك أن سوريا هي الخاسرة الكبرى وذلك لما اثخنتها الحرب الطاحنة منذ ثلاثة عشر عاماً وكذلك بسبب أن ميليشيات حزب الله تستخدم الجنوب السوري لبعض العمليات من أجل التخفيف عن لبنان ومجابهة إسرائيل عبر الأراضي السورية.

*بين الأصيل والوكيل في ظل الإقليم الملتهب، هل نستنتج إنه في أي لحظة قد تنفجر المنطقة في حرب على الساحة السورية؟

بالطبع هناك خوف من حرب إقليمية ولكن هناك تصريحات للشخصيات السياسية الكبيرة التي لا تريد الانجرار إلى الحرب، أولاً بالنسبة للبنان فحزب الله عبر أمينه العام أعلن إنه لن ينخرط في الحرب وإنه إذا إسرائيل ارادت ذلك سوف نرد عليها وهذا ما يحصل الآن، وكذلك تصريحات وزير الخارجية الإيراني والذي قال إنه ليس مع الحرب، وكذلك سوريا التي اعتدت على سيادتها إسرائيل مرات عديدة ووجهت ضربات لمطاراتها ولم تقوم سوريا بالرد، هناك فقط نية من قبل إسرائيل لتخويف الرأي العام لتستفيد من هذا التخوف، وإسرائيل كقوة عسكرية حالية لن تفتح جبهة على سوريا أو جبهات أخرى، ولكن هي تقوم بضربات على سوريا ولبنان وغير ذلك يعتبر تصريحات لتخويف الرأي العام وتجنيد الشباب الإسرائيلي في الجيش الصهيوني، وإن ما حدث في سوريا منذ عام ٢٠١١ كان وراءه أيادي استخباراتية إسرائيلية وأمريكية من أجل تفكيك سوريا، وذلك لتنفيذ مشروع سياسي وهو فرق تسد، أي إنه إقامة دويلات صغيرة وعرقية ولن تكون قادرة على القيام بحروب، ولأنها لا تريد أن تكون على حدودها دولة قوية تشكل خطراً على أمنها.

*هناك ضربات إسرائيلية تستهدف إيران على الأراضي السورية، هل هناك ضبط إيقاع أم قد تخرج الأمور عن السيطرة؟ وإلى أي درجة ذلك يكلف سوريا؟

جملة الاستهدافات التي قامت بها إسرائيل ضد إيران هي مجموعة رسائل مبطنة من أجل عدم تدخل إيران بشكل مباشر أو للضغط على وكلاء إيران للتخفيف من ضغوطها، ولا أتوقع أن تتحول هذه الضربات إلى حرب مباشرة نهائياً، بالتأكيد نحن نأسف أن الأرض الإيرانية مزدهرة والأرض السورية هي التي تحولت لساحة حرب بسبب إيران، وأن ذلك إن كان يكلف سوريا فأنه سيكلفها بنية تحتية التي هي أساساً مهدمة، وأيضاً بسوريا هناك تهديم للبنى الأخلاقية والاجتماعية والحوار السياسي المهدم بشكل كامل فجميع ما يحصل في سوريا مهدم، وللأسف بمناطق النفوذ الإيراني في سوريا لا يعتد بشيء اسمه الحكومة السورية.

*ختاماً، في ذات الموضوع ضع لي نقاط حروفك، المجال مفتوح لك..

إيران تستخدم الآخرين لتنفيذ سياساتها، وتبتعد عن الاشتباك بشكل مباشر مع إسرائيل، فهي تنأى بنفسها عن الانخراط، وتمنع حزب الله عن الانخراط في أي صراع مع إسرائيل رغم ما يحصل في غزة، إنه تحدي كبير لحزب الله، وإذا توسعت الحرب ستكون هناك حسابات أخرى، وقصف إسرائيل المستمر في سوريا هو لمنع تمركز إيران، وتمارسه باستمرار بسبب توريد الأسلحة وتصنيعها، وأن استهداف المطارات في حلب ودمشق سببه أن التسليح يتم عبر المطارين، وإسرائيل لا تريد إنهاء دور إيران، لأن إنهاءه سيؤدي إلى سقوط الحكومة السورية، فالمنطقة بحاجة إلى السلام الذي أصبح مطلباً حقيقياً للمنطقة والإقليم والعالم.