لكل السوريين

التغييرات السياسية والعسكرية في دمشق تنعكس على حالة السكان الاجتماعية والنفسية

دمشق/ مرجانة إسماعيل

بدأت ملامح الحياة الاجتماعية في دمشق تتغير بعد مرور نحو أسبوعين على سقوط نظام الأسد، ومردّ هذه التغيّرات وفق شهادات الأهالي إلى حالة الارتياح العامة التي يشعرون بها وانزياح الظلم.

وعلى الرغم من أنَّ هناك مظاهر شديدة التناقض، إلا أن ذلك ما يزال ضمن الحدود المقبولة، بوصفها تعبيراً عن الاختلاف وتفاوت التوجهات بين الناس.

في دمشق عاود الأهالي نشاطهم اليومي بصورة تدريجية رغم بعض القلق المرتبط بالمرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد، وترقّبهم التغيرات وما بعد هذه المرحلة ولا سيما على صعيد الوضع الأمني والحالة المعيشية.

بسقوط نظام الأسد القمعي عاد قسم كبير من الشباب في دمشق إلى الصلاة في المساجد، الذي ارتبط دخول المسجد في أذهانهم بالاعتقال بتهم الإرهاب والتطرّف، بسبب مخبري النظام وأعوانه الذين كانوا يندسون في صفوف المصلين، ما جعل قسماً كبيراً من الشباب تحت المراقبة والتهديد والخوف.

في مشاهدة أخرى من قلب دمشق، تبيّن أن عدداً كبيراً من السوريات اللاتي مُنعن سابقاً من وضع النقاب خشية اتهامهن بـ”الإرهاب”، لا سيما اللاتي ينحدرن من مناطق ضيّق عليها النظام المخلوع في ريف دمشق، عاودن إلى وضع النقاب لقناعتهن الشخصية، من دون خوف أو قلق من الاعتقال أو الازدراء.

يشار إلى أنَّ عدد المنقبات في شوارع دمشق ازداد في آخر أسبوعين بعد سقوط النظام، ووفق إجابات الأهالي فإنَّ ذلك يعود إلى سببين: أولهما -كما ذكرنا- عودة بعض النساء إلى ارتداء النقاب بعد أن منعهم النظام المخلوع من ممارسة حريتهم في ذلك بالترهيب والتدقيق، والثاني: قدوم عدد كبير من نساء الشمال السوري إلى دمشق وريفها عقب التحرير.

بعد تسلّم هيئة تحرير الشام زمام الأمور في العاصمة دمشق، صارت لدى فئة بعض الطوائف والمذاهب -من غير السنة- وبعض متبني فكرة “العلمانية”، هواجس ومخاوف من الحكومة الجديدة ذات التوجه الديني المحافظ أو المتشدّد؛ الأمر الذي خلق تساؤلات في أذهان كثيرين حول شكل الحياة الاجتماعية وحرية الممارسات الدينية في البلاد خلال الفترة المقبلة.

ويمكن القول إنَّ بعض هذه المخاوف، وفق شهادات بعض أهالي دمشق، أزيحت بسبب الطريقة التي تتعامل بها الهيئة من عدم المساس بمعتقدات سكّان العاصمة، وعدم فرض قوانين متشددة لم يألفوها أو من شأنها إثارة الغضب العام، فضلاً عن التسامح والتعامل الطيب معهم من قبل إدارة العمليات العسكرية.

بعض الشبان عبّروا عن مخاوف من “الإفساديات” كما يسميها السوريون، أي الوشاية بهم لكونهم كانوا من أتباع النظام البائد أو لكونهم ينتمون إلى مذاهب وطوائف مختلفة.

وفي منطقة “السيدة زينب” التي تضمّ خليطاً سكانياً من مختلف المذاهب الإسلامية، والأكثرية من السُّنة من الذين يطلق عليهم “الفلاحون”، وهم السكّان الأصليون للمنطقة، فضلاً عن وجود نازحين من الجولان المحتل، ومهجرين من ريفي إدلب وحلب؛ وذلك على عكس الشائعات بأن الأكثرية من الشيعة، والتي كان سببها سيطرة الميليشيات الإيرانية عليها في زمن النظام المخلوع.

وبالدخول إلى مقام “السيدة زينب”، تبيّن أنّه أصبح تحت حماية عناصر هيئة تحرير الشام وإبقاء موظفيه في أعمالهم من دون إزعاج أو أذية.

لا يتوانى الشباب في دمشق، خلال الأسبوعين الأخيرين، في التعبير عن فرحهم بسقوط النظام وخططهم المستقبلية على الصعيدين الشخصي والوطني؛ إذ بدأوا بتنظيم الاجتماعات وتنفيذ الأعمال التطوعية مثل: تلوين الجدران والأرصفة وتنظيف الشوارع وتنظيم حركة السير، في ظاهرة تنم على الشعور بالانتماء والمسؤولية الذي تجدد في داخلهم عقب سقوط النظام.

الأهالي في منطقتي باب توما وباب شرقي، أوضحوا، أنَّ الحياة اليومية عادت طبيعية رغم تخوفهم من حرب أهلية في الأيام الأولى عقب سقوط النظام، كما أن الكنائس في منطقة باب توما استقبلت المصلين من أبناء المنطقة في أوقات القداس المحددة.

بدأت بعض محال المشروبات الكحولية (البارات) في دمشق بتغيير واجهاتها وإخفاء المشروبات منها واستبدالها بعبوات عصير أو ربطات خبز أو مواد الغذائية؛ في محاولة لتجنب الضرر المحتمل.

وبالمرور في “شارع باكستان” بدمشق، لاحظنا أن محل “هاواي” للمشروبات الكحولية، الذي يعدّ “صرحاً تاريخياً” كما يسميه بعض زبائنه، قد استبدل واجهته بكاملها بالعصائر والمشروبات الغازية وأخفى جميع المشروبات الكحولية.