لكل السوريين

الحل السوري … بيد من؟

نمر في السنة الحادية عشرة ولا زال الجميع ينتظر الحل السوري، فمنذ بدء مطالبة الشعب السوري بالحرية والديموقراطية والكرامة وهو يبحث عن الحل، والجميع لا زال يردد: “الحل السوري بيد السوريين” فهل الحل بيد السوريين فعلاً؟  نعم هو كذلك إذا تركت الأمور للسوريين. ولكن لماذا لا يأتي الحل؟ بل لا يمكن رؤيته في الأفق.

حتى نتعرف على الحقيقة علينا أن نستعيد شريط الأحداث قليلاً. النظام السوري كان قد فرض هيمنته بعقلية الشوفينية البعثية الأحادية التي لا تعترف بالرأي الآخر، وتريد مجتمع قطيع غير مسيَس ليسوقه حيثما يريد، وكل من يعارضه يكون مصيره الموت أو المعتقل أو النفاذ بجلده إلى الخارج، ولهذا لا يمكننا التحدث عن معارضة حقيقية آتية من صميم المجتمع وتشعر بمعاناته وتنظم صفوفه لتجعله مهيأ لمواجهة النظام. بينما الضغوط الخارجية تزداد على النظام لتغيير سلوكه نحو الشعب، سواء أكانت حقيقية لأجل الشعب أو لغايات أخرى، مما اضطر النظام إلى إرخاء قبضته بعض الشيء فكان ربيع دمشق، ثم إعلان دمشق، ولعدم توفر الفرصة للتنظيم في الداخل تنامت المعارضة في الخارج بدعم وتأييد وأحياناً بتمويل القوى الخارجية، إلى أن بدأ الربيع العربي وكانت كل قوة قد أخذت مواقعها استعداداً لقادم الأيام بما فيها الصدام المسلح.

القوى الخارجية أرادتها ثورة ملونة، ولكن النظام المتجذر بسلطته الاستبدادية وأجهزته المخابراتية كان واثقاً بقوته وجبروته وأنه قادر على قمع الشعب. بينما المعارضة كانت تثق بمن احتضنها ومولها ومن ثم سلحها وايدها سياسياً، وهكذا بدأ الاشتباك والشعب السوري لا يدري بما يجري حوله وبما يدور خلف الستار، إلى أن طال أمد الحرب وأسفرت عن مئات آلاف القتلى وضعفهم من الجرحى والمعاقين وبضع ملايين من المهجرين. وعندها انكشفت الحقائق ووجد الشعب السوري أنه الضحية، والكل يطمع في جلده. ولا زال الجميع يردد “الحل السوري بيد السوريين”.

النظام السوري عندما ضاق عليه الخناق لجأ إلى القوى التي تدعمه أي إيران وتوابعها، ثم إلى روسيا وكلتاها لديهما مخططات وأطماع في المنطقة وفي سوريا، أما المعارضة فقد كان لديها حلفاؤها الذين جعلوا من تركيا رأس الحربة ومن دول الخليج صندوقها، ثم بدأت اللعبة الحقيقية حيث خلق كل طرف أتباعاً له من السوريين الذين لا يمثلون تطلعات وآمال الشعب السوري، ولا يستطيعون الخروج عن طاعة الداعم، وكل دولة أو قوة مهتمة بالشأن السوري شكلت لجان ومجالس وأشخاص لإدارة الأزمة وليس لحلها، لإدارتها ليكون الحل محققاً لأطماعها ومخططاتها، ودخلوا في مسار المؤتمرات واللقاءات والحوارات والمراهنات وكلها لإدارة الأزمة وليس لحلها. وكل طرف في تلك اللقاءات والحوارات يحاول شد البساط من تحت أقدام الطرف الآخر. ولا زالوا يرددون “الحل السوري بيد السوريين” !!!!.

أبرز المحطات كانت سلسلة لقاءات جنيف التي من المفروض أن تكون بين السوريين برعاية الأمم المتحدة، والسوريون يتألفون من النظام وأتباعه، والمعارضة تتكون من أطياف الشعب السوري. ولكن ما نجده على أرض الواقع أن النظام يحمل في جعبته المخطط الذي يحقق مصالح إيران والروس، بينما المعارضة مشتتة بين أطماع تركيا وأصحاب مخطط الشرق الأوسط الجديد (الكبير)، وليس من طرف يفكر في معاناة السوريين. وكذلك سلسلة لقاءات آستانا وسوتشي كلها تهدف إلى كيفية التصدي لأصحاب الشرق الأوسط الجديد لإفشاله، ما عدا تركيا التي لديها مخططها الخاص وأطماعها التاريخية التي تعمل على تنفيذها.

الإدارة الذاتية الديموقراطية التي تشكلت بإرادة الشعب في شمال وشرق سوريا، وخارج إرادة القوى المتدخلة، وبقوة الشعب الذاتية استطاعت تحرير مناطقها من الإرهاب الأسود بعد أن تخلى عنها النظام، ووقفت المعارضة ضدها بل وحاربتها بناء على رغبة حاضنتها تركيا، وتضم ما يقارب الستة ملايين من البشر، مستبعدة من كل تلك الجهود، لأنها تنامت وكبرت وأسست نفسها بنفسها بعيداً عن مخططات وألاعيب تلك القوى، ولأنها تمثل تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة والمساواة والنموذج الذي رسخته كمشروع سوري يصلح لكل السوريين، ولكنه لا يلبي أطماع القوى الإقليمية. والمعارضة اتهمتها بالعمالة للنظام، والنظام اتهمها بالتبعية والانفصال، وكلاهما بدآ بإثارة الفتن والقلاقل فيها، ولا أحد يقبل بالحوار معها ليفهموا ما تريده الإدارة وما تعمل لأجله. العالم كله سمع ببطولات الإدارة واستماتتها في الدفاع عن سوريا في وجه الإرهاب، سوى النظام السوري. وكل العالم سمع بدعم تركيا لداعش والإرهاب وأنها لا زالت تحتضهم وتستخدمهم داخل سوريا وخارجها، سوى المعارضة السورية.

“الحل السوري بيد السوريين” عندما يتخلصون من أطماع وبرامج القوى الإقليمية ولا يستثنون أي شريحة سورية من المشاركة في الحل السوري.