لكل السوريين

من الصناعات التراثية السورية اليدوية

يسمونها في مدن الجزيرة الفراتية بعَجَلة الطفل الخشبية بفتح حرف الجيم، وفي الريف “الرقي” يسمونها بالْعْجِلة بتسكين حرف العين وكسر حرف الجيم، وبالفصحى تسمى (الحَجَلة) بفتح حرفي الحاء والجيم، وهو لفظ فصيح مشتق من الفعل الثلاثي “حَجَلَ” بمعنى رفع رجله ومشى هادئاً على الثانية، وفي الداخل السوري يسمونها “مشاية”، من الفعل الثلاثي “مشى” مشياً، أي أنه خطى ونقل قدمه من مكان لآخر بإرادته سواءً كان هذا النقل سريعاً أو بطيئاً، حسب ما ورد في “تاج العروس”.

ولفظ حجلة يستعمل في أغلب المدن السورية و”العراق”، والحجلة كانت تصنع كثيراً في مدينة “الرقة” وفي “الحسكة ودير الزور”، وكنا كثيراً ما نراها معلقة في واجهة دكاكين السوق الشرقي (شارع القوتلي) بـ “الرقة”، وقد استعملناها عندما بلغنا السنة الواحدة من أعمارنا.

والعجلة مصنوعة من الخشب بسيطة في صنعها، تستخدم من قبل أهل الطفل لتدريبه وتعليمه على المشي، عندما يبلغ مرحلة المشي، حينما يصل بعمره السنة الواحدة تقريباً أو أكثر بنصف عام آخر، كي يكسب مهارة وللتسريع في عملية المشي.

والمادة الأساسية التي تصنع منها العجلة القديمة هي مادة الخشب، وتعتبر صناعة محلية بحته، يصنعها بعض المهرة المتخصصين في “الجراخة” أي جراخة الخشب، وهي من أنواع النجارة، وقد اشتهرت “الرقة” حتى ستينات القرن العشرين الميلادي المنصرم، بهؤلاء المتخصصين بهذا النوع من النجارة ومنهم الرقاوي المرحوم “علي الجامرزة”.

وقد اختص هذا الرجل في عملها وعمل غيرها من الأدوات، التي يتطلب في صنعها جرخ الخشب، أي تدوير الخشب بواسطة آلة خاصة مثل الآرائك والمساند وأرجل الكراسي وأسرة النوم الكبيرة والصغيرة.. ويمكننا وصف عجلة الطفل الخشبية، على أنها تتكون من أرجل ثلاث من الخشب.

كل واحدة منهما تنتهي بعجلة خشبية صغيرة يسمى علمياً بـ (الجرخ) من صناعة “الجراخ” نفسه، وهذه الأرجل تلتقي في الأعلى بماسك، كما هو مبين في الصورة المرفقة” بشكل عرضي من الخشب يمسكه الطفل بيديه ويتكأ عليها في حالة امتلك الجرأة والاستعداد للمشي.

والعجلة في الحقيقة أحياناً تكون مصدر للخطر، وذلك بوقوع الطفل أثناء محاولته المشي بواسطتها، ويتم ذلك نتيجة الإهمال ومراقبة الطفل.

وأحياناً نجد الطفل يبتعد عنها ولا يقترب منها، ولعجلة الطفل الخشبية فوائد جمة ولعل أهمها، إضافة لتعلمه المشي مبكراً، هو انصراف الأم لتأدية واجبات المنزل والطفل منصرف في تعلمه بواسطة العجلة.

ولوحظ مؤخراً تصنيع عجلات من البلاستيك، الملون التي تجذب عين الطفل وتثير رغبته باستعمالها إضافة إلى توطيدها بمرغبات للطفل مثل الأضوية والأصوات الجميلة، لكن الفارق بين العجلة الخشبية والبلاستيكية، أن الطفل في الأولى يتكئ عليها كي يتعلم سريعاً المشي، وفي البلاستيكية يكون الطفل في داخلها ليدفعها إلى جميع الجهات بسبب انسيابية ودوران العجلات، وبهذه الحالة يكون الطفل إتكالياً، مما يشير إلى أن معطيات الحضارة الحديثة جعلت الجميع اتكاليون.

اليوم نحن إلى العجلة الخشبية الأولى، التي كنا نستعملها أيام الصغر الجميلة والبسيطة مثل روحية أهلنا البسطاء، وكما قد تعلمنا المشي من جراءها والأنس من خلالها، وكانت هذه العجلة سبباً في تقوية أقدامنا وشدة عضلات أجسامنا وسواعدنا.

الأطفال الصغار لم يعرفوا بعد عنها شيئاً، لذلك اليوم الأطفال لا يملكون من ذلك الزمن إلا تلك الذكريات، وتلك الحكايات المتداولة والتصورات الجميلة، ونحن الكبار افتقدنا منظر العجلات الخشبية، وهي معلقة في واجهات الدكاكين الرقاوية ومدن الجزيرة في الأسواق.. لقد افتقدنا تصورات جميلة عن تراثنا السوري الرائع البديع..