لكل السوريين

من زحمة الأفران إلى يد المندوب يتأرجح الرغيف

خلال عدة سنوات مضت من بعد التحرير كانت قضية المواطن الأولى هي حصوله على رغيف الخبز بكرامة بدون معاناة وبدون الانتظار لساعات طويلة في طوابير البؤس على نوافذ الأفران، ودون أن يتشاجر مع الذين يشاركونه المعاناة، ولكنهم لطول انتظارهم فقدوا صبرهم ولم يتمكنوا من كتم غضبهم، فهنا تكمن الكارثة على تلك النافذة المشؤومة.

وبعد مطالبات عديدة طالت مكاتب كافة المعنيين كان الحل الذي يلوح بالأفق، وهو إحالة توزيع الخبز عبر المناديب، ولكن هنا نستطيع أن نقول كما في العامية أجى تا يكحلها قام عماها، ولعل هذا المثل يشرح الكثير عن رؤية الناس في هذا الحل، حيث أن المعنيين الذين أتخذوا القرار كانت رؤيتهم بتطبيق الفكرة بأنها ستتناول العديد من الجوانب الإيجابية، ومنها بأن الازدحام سوف يخف كون المندوب مسؤول عن توزيع الخبز لعدد قليل من الأهالي من جانب، وكذلك عبر تطبيق موضوع المناديب فإنهم سوف يخلقون فرصة عمل لمن هو عاطل عن العمل في الحي لقاء الخدمة التي يقدمها، وكذلك إمكانية حصر كميات الخبز التي تنتج وضمان وصولها  للمستهلك الحقيقي، وبالتالي توفير بالمال العام كونه من المتوقع بأن كميات الطحين الممنوحة سوف تقل.

ولكن كانت النتائج على الشكل التالي، تم تخفيف المعاناة، حيث أن الأهالي يحصلون على خبزهم بسهولة، ولكن بسعر مرتفع جدا من قبل المندوب دون أن تصدر لائحة سعرية توضح ذلك لمنع سرقة الأهالي، حيث أنه كان من المتوقع منح 34 رغيف من الخبز بسعر 500 ليرة سورية، بينما يقوم مندوبنا العزيز ببيع 20 رغيف مقابل 500 ليرة سورية، وأيضا البعض منهم لا يمنح الخبز للأهالي بحجة عدم حصوله على المخصص كاملا من الفرن، بينما يشاهد المندوب بقيامه ببيع كميات تصل إلى مئات من الكيلو غرامات من الخبز اليابس بسعر 350 ليرة سورية.

وهنا نجد المندوب تحول لمتاجر بقوت أهله وجيرانه، ونتساءل أين تكمن متابعة لجنة متابعة الأفران وكذلك مجالس الشعب المعنية بتعيين المناديب، والذين هم تم ترشيحهم من ذوي الأخلاق الحسنة، ونجد أيضا تسخط من بعض أصحاب الأفران ومنع المناديب من مشاهدة الأوزان كونه يشعر بالظلم كون مرابح المندوب الواحد يفوق مرابح فرنه، والذي تكلفته تصل لأكثر من 50 ألف دولار، والعدل في هذا أين يكمن يا أصحاب القرار؟

والأهم من هذا كله هنالك مظلمة اجتماعية في مجتمعاتنا تبدأ من الأسرة، حيث نجد بعضهم يقدمون دفاتر أسرية لأشخاص متوفين ويعطون أعدادا غير صحيحة لتعداد أفراد أسرهم، بحيث يحصلون على كميات إضافية يقومون ببيعها كخبز يابس ليحصلوا بالأخير على خبز منزلهم بالمجان، وكذلك البعض من الكومينات والمناديب يقومون بجلب دفاتر عائلة من مختلف المناطق لنفس السبب الذي تم ذكره أنفا.

ومن هذا كله نجد المظلمة واضحة المعالم تنتظر حلا جذريا من أصحاب القرار، ولكن الأمر الذي لا نستطيع نكرانه حجم الأعباء المالية التي تتكبدها الإدارة الذاتية لتؤمن رغيف خبز يستطيع الجميع تناوله ومن كافة شرائح المجتمع، وهذا يلقي الكثير من المسؤولية على عاتق الجميع لضمان إيصال رغيف الخبز للجميع.