لكل السوريين

الطب في مناطق المعارضة.. بين قَسم أبقراط وقَسم أردوغان!

قَسم أبقراط حلم كل من يدرس في كلية الطب فما أنْ يؤدي ذلك القَسم حتى يبدأ صفحة جديدة من حياته عنوانها الوفاء لهذا القَسم. حديثي هذه المرة، عن قصة أحد الأطباء السوريين، والذي يعمل في مشفى مارع، حيث قامت إدارة المشفى بفصله ومنعه من مزاولة العمل في مناطق المعارضة الخاضعة لسطلة تركيا، وذلك بسبب خلاف مع  ممرض تركي.

مارع والتي من المفترض أن تكون منطقة محررة من سلطة نظام الأسد القمعي الاستبدادي ، ولكنها فعلياً لازالت تحت وطأة الاستبداد، ولكنه استبداد من دكتاتورٍ آخر، ونظام قمعي آخر لا يراعي  حرمة بلد آخر، وثقافة الشعوب الأخرى، وهو النظام التركي الاردوغاني العنصري الفاشي، هذا أقل ما يمكن أنْ يقال بحق نظام استغل محنة شعب مكلوم.

الشعب الذي عانى لعشرات السنين من قمع نظام البعث، وخرج في وجه أعتى الأنظمة القمعية في العالم، ولكنه للأسف وقع ضحية للاستغلال من قبل من يدعون نصرته والوقوف إلى جانبه، نعم استغل النظام التركي الثورة السورية، وتغلغل وسط صفوفها وجند المرتزقة واحتل المناطق وغير مسار الثورة وقادها إلى المجهول، عن طريق معارضة مأجورة صنعتها استخباراته، ووقع المثل على الشعب السوري “كالمستغيث من الرمضاء بالنار”.

الدكتور عثمان حجاوي أحد الأطباء البارزين ممن عملوا في الداخل السوري طيلة فترة الأزمة ورفض كلّ المغريات ليبقى في أرضه لخدمة شعبه ويفي بقَسمه، ويحقق حلمه بانتصار إرادة الشعب على النظام الذي قتله وشرده، ولكنه لم يكن يحسب يوماً أنّه خرج من قبضة نظام الأسد إلى قبضة نظام أردوغان الذي لا يختلف عن ذهنية السابق في شيء سوى المسميات، وظن أنّه في منطقة محررة، وقادر على ممارسة الحرية التي حلم بها لسنوات طويلة، ولكنه دفع الثمن كما هو في السابق.

الدكتور عثمان لم يقرأ واقع ما تعيشه  مارع جيداً، ولم يدرك أن سطوة أصغر موظف تركي تشبه إلى حدٍ كبير سطوة أي عنصر من عناصر النظام السوري.

في سوريا خرجت المظاهرات وبدأ أعظم حراكٍ شعبي في وجه النظام، وكانت أولى مطالب هذا الحراك هي الكرامة والحرية، ولكن أين هي كرامة المواطن السوري الآن حين يدوسها أصغر موظف تركي؟! وعلى أرض سورية، هل مطلوب من الطبيب السوري أن يفي لقسم أبقراط؟! أم أصبح يحتاج الآن لقَسم جديد لكي يزاول مهنته قَسم يمنحه ثقة الجلاد الجديد الذي احتل أرضه.

ذنب الدكتور عثمان أنّه لم يقرأ جيداً هوية وجنسية  الممرض الذي وقع الخلاف معه، ولم يدرك أنَّ هذا الممرض هو من حاشية السلطان و أنَّ سطوة هذا الممرض مستمدة من سطوة صاحبه ، لو عاد الدكتور عثمان بالذاكرة لما كان يفعله أجداد هذا الممرض على الأرض السورية لوجد ما حصل معه أمرٌ بسيط جداً فعلى الأقل لم  يشاهد المقاصل ولا المشانق ولا الخوازيق.

وبالعودة إلى بعض الأحداث التي وقت مؤخراً في تركيا نجد موجة العنف التي حصلت تجاه السورين المقيمين هناك من تكسير محلات وسيارات وسرقة ممتلكات، وترديد شعارات طائفية مقيتة، والسؤال الذي يطرح نفسه ما أسباب هذه الأحداث؟!، ولصالح من هذا الخطاب الطائفي؟! ، حقيقة هذا الخطاب الطائفي وهذه الكراهية هي من صنع حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، فحين يطلق عناصر الجندرما النار على صدور النساء والأطفال والشيوخ السوريين الهاربين عبر الحدود دون رقيب أو حسيب، وحين يطرد دكتور سوري من عمله وهو على أرضه لأنه قال لا في وجه ممرض تركي، وحين يعيش العامل السوري في تركيا تحت رحمة ربِّ العمل التركي دون أي ضمانات أو تأمينات، وحين تطرد عائلة سورية من مسكنها في منتصف الليل وذلك لشكوى مقدمة من مواطن تركي، كل هذه الأفعال ممنهجة والهدف منها رسم الدونية للمواطن السوري في ذهنية الأتراك، وكأن نظام أردوغان الذي لم يكتفي من جعل الملف السوري مادته الأساسية في كافة البازارات الدولية ، وجعل أزمة النزوح السوري سلعة تباع وتشترى بثمن بخس، والآن جاء الدور ليجعل منهم عبيداً وخدام عن مواطنيه، نعم بهذه الصورة وصلت الرسالة، فآلاف السوريين قتلهم النظام التركي بالرصاص المباشر من عناصر الجندرما التركية وآلاف قتلهم بطريقة غير مباشرة حين  دفعهم  لركوب  البحر في رحلة اللجوء إلى أوربا، وغيرهم من السوريين الذين جندهم في خدمة الباب العالي، وزج بهم في معاركه الخارجية ليقتل منهم المآت في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

الخلاصة هذا الكم من الطائفية والعنصرية بحق الشعب السوري سواء اللاجئ في تركيا أو المقيم في أرض سورية لم يأتِ عن عبث، بل هي من صنع نظام استبدادي يريد استغلال ما يحدث في سوريا والهيمنة على المنطقة ومقدراتها وسحق واضطهاد شعوبها.