لكل السوريين

نشأة الأعلام وعلاقته بالتاريخ

محمد عزو

يعتبر الإعلام في مفهومه العام وسيلة رئيسة وأساسية في عملية التواصل مع الجماهير، حيث أن عامة الناس تعتمد على الإعلام بكافة وسائله المتنوعة من صحف، وجرائد، وتلفاز، وراديو، وانترنت، وبرامج التويتر واليوتيوب وغيره في سبيل الوصول إلى ما هو جديد وما هو مستجد في عالم الاقتصاد، والسياسة وما يبتغيه الإنسان من ترفيه.

ومحور العلاقة بين الإعلام والتاريخ، هي علاقة اندماجية لا يمكن التباعد بينهما أو تجاهلها، لا سيما في عصر أصبح العالم فيه قرية صغيرة، وتميز هذا العصر بالثورة الإعلامية التي نحياها ونعيشها اليوم، إذ أصبح الإعلام أداة نقل مباشر بالصوت والصورة، وبنفس الزمان والمكان حيث يكون الحدث واقعاً، تشمل الأحداث الكبرى بما في ذلك الكوارث الطبيعية وتلك، التي كان ليد الإنسان الأثر في حدوثها بما فيها الحروب الشريرة، ومنها أيضاً امور وقضايا تشغل وتثير المجتمعات الإنسانية، وهي قضايا متعددة ومتنوعة، يشار إليها بالبنان ألا وهي، القضايا الاقتصادية والسياسية وأيضاً العلوم والثقافة والاكتشافات، مما حدا بالإعلام أن يكون حاضراً بقوة، في سبيل تشكيل الرأي العام، متمتعاً بقدرة التأثير على تنسيق وأرشفة واقع الحدث تاريخياً.

يظل الإعلام والتاريخ في حالة ترابط متين يجمعهما التنسيق المشترك، الذي يمكن وصفه بالآتي، وهو أن الإعلام الحديث المعاصر أصبح بشكل أو بأخر، مرجعاً توثيقياً ليس بالإمكان تجاهله مطلقاً حين تكون الهمة جاهزة لكتابة التاريخ.. بالتأكيد في مثل هذه الحالة يتبادر للذهن سؤال وجيه يقول، هل المستقبل يحمل نهاية لدور المؤرخ، فيما إذا اعتبرنا الإعلام تغطية للأحداث التاريخية؟ وهنا أضرب مثلاً لما حدت لسورية من ويلات ودمار بشكل عام ولمدينة الرقة بشكل خاص؟!!!.

وهنا، وبشكل خاص لابد من التنبيه والتأكيد على بعض الأمور ذات الأهمية بمكان، وهو سؤال آخر هام هل دور ووظيفة المؤرخ أو المؤرخين تنطوي على كتابة الأحداث بنفس اسلوب وطريقة الإعلام؟، وهل يمكن للإعلام أن يكون متجرداً من الرؤية الذاتية للذين يغطون الحدث، أو للسياسة التي تنهجها الدولة في حالة كان الإعلام موجها وتابعاً للنظام السياسي، الأمر الذي يجعل له تأثير على اسلوب وصيغة نقل الحدث، ونقله بما يوافق الرأي الخاضع للعوامل المؤثرة والضاغطة؟.

اليوم نقول إن ما جرى في سورية، لم يبق ولم يمر دوم تغطية وافية، والسؤال هنا ما هو دور المؤرخين في تغطية ما جرى لسورية في عصر الإعلام واسع النطاق؟، وكذلك نسأل أنفسنا ما هو دور الإعلام في التأريخ؟ وهل يمكن القول اعتبار دور الإعلام، تأريخياً في مضمونه المحلي؟.

نلاحظ من خلال بحوث ودراسات المؤرخين أنهم يعتمدون على جزء كبير من الروايات الإعلامية، بل أنهم يعتمدون على نصوص ابداعية وروائية وغيرها من المكونات الثقافية المادية واللامادية لفهم الواقع الاجتماعي وواقع الحضارات القديمة السابقة لعصر الإعلام، رغم أن المتبقيات من الماضي تشير إلى أن الإعلام نشأ مع نشوء المجتمعات البشرية الأولى، وأجناس أخرى من الأدب فيها تشابها بينها وبين التاريخ كأسلوب القص في محاولته سبر أغوار المجتمع والإنسان، لكن التاريخ لا يجنح إلى الخيال، بل لابد له أن يلتزم بالواقع والحقائق الثابتة وإلا فقد فقد حقيقته المرجعية والعلمية.

والإعلام سابقاً ولاحقاً، يحمل في جعبته أيضاً النشر المتخيل ومحاولة استقراء المستقبل، مع تحريفه بما يتوافق والموقف والرأي الذي ينطلق منه الإعلامي أو من ذوي الشأن في الوسيلة الإعلامية.

والتاريخ لا يعتمد على التصوير المباشر كي لا يتحول إلى كتابة صحفية بنت ساعتها، لأنه في واقع الأمر يعتمد على تحليل عملية الحدث وتشكلها، ويمكن (وصف التاريخ بأنه يشكل الحدث المنطقي المجرد من التسويق الصحفي).

وفي دول تفتقر للمنظومة الديمقراطية وحرية الفكر، نجد أن الإعلام يرتكب تشويهاً للتاريخ في تسويق منتوجاته (الخبر، الحدث. التحليل الإخباري).. وفي النهاية يمكن القول، لا يمكن النظر إلى الحدث الإعلامي، بدون الظروف التاريخية التي وقع فيها هذا الحدث، وهي حالة ليست من وظيفة الإعلاميين، بحيث هي مناطة بالمؤرخين، لأن التاريخ. أكبر وأوسع شمولية من الإعلام.