لكل السوريين

هل الإدارة الذاتية الديموقراطية تعني الإنفصال ؟

في الآونة الأخيرة تواردت تصريحات المسؤولين في النظام السوري تكيل اتهامات للإدارة الذاتية الديموقراطية في شمال وشرق سوريا بالإنفصال والتآمر على وحدة الأرض السورية والعمالة وما إلى ذلك من تزييف للحقائق ليتهربوا من مسؤولياتهم، والإلتفاف على استحقاقات تتطلبها الأوضاع السورية ومطالب الشعب السوري بالديموقراطية والحرية وحياة كريمة بعد عشر سنوات من الكارثة السورية. فما هي دوافع وحقيقة تلك التصريحات ؟ .

كل سوري بات يدرك أن النظام البعثي الأوليغارشي الذي تحكم في رقاب السوريين واستولى على كل موارد سوريا ورفض التجاوب مع متطلبات العصر ومطالب الشعب السوري بالإصلاح والإلتزام بحقوق الإنسان والديموقراطية هو السبب الرئيسي في الكارثة السورية، فلو كان البنيان السوري الداخلي قوياً لما استطاعت القوى المغرضة وأعداء سوريا النفاذ إلى الداخل السوري، ولما استطاعوا التلاعب بعواطف وعقول شرائح الشعب السوري وإستغلال السوريين وتجنيدهم لمحاربة إخوانهم السوريين، بل وجعلهم أدوات لمآربهم وتحويلهم إلى مرتزقة يقاتلون في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

بعد إشتداد الصراع على سوريا انسحبت القوات السورية المكلفة بحماية الشعب السوري إلى مناطق سوريا المفيدة كما أسموها وتحولت إلى قوات حماية النظام تاركة الشعب السوري لمصيره، ذلك الشعب الذي جرده النظام من وسائل الدفاع عن نفسه تنظيمياً وتسليحياً، إلى أن تطورت الفصائل المسلحة لتصبح “داعش” وتؤسس خلافتها على الأرض السورية، فلم يبق على الشعب إلا أن يعتمد على نفسه في مقارعة الإرهاب الجهادي. ذلك الإرهاب العالمي الذي أصبح خطراً على كل العالم كله، مما دفع بالقوى الكبرى إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربته، ووجد النظام ضالته لدى الإيرانيين والروس لحمايته من السقوط، وما تسمى المعارضة تناصر الجهاديين وترى في تركيا حاضنة لها، بينما الشعب السوري في شمال وشرق سوريا يقاوم بمفرده دون مناصر أو حليف.

أخذ التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب يبحث عن حليف على الأرض للتنسيق معه ولم يجد سوى القوى التي تدافع عن وجودها في شمال وشرق سوريا فعمل على دعمها والتنسيق معها إلى أن تم القضاء على الخلافة. ولم يكن أمام الشعب السوري الذي تخلى عنه الجميع سوى هذا الخيار، فالنظام تخلى عنه سابقاً، والطرف الآخر مناصر للإرهاب وداخل في طاعة تركيا ويعمل لأجل القضاء عليه، ولم يبق أمامه سوى التنسيق مع التحالف الدولي. وقوات سوريا الديموقراطية هي التي نظمت نفسها ودافعت عن شعبها وتمثل إرادة هذا الشعب وليست صنيعة أحد لتأتمر بأمر صانعيها.

أثناء تلك الحرب الدائرة في شمال وشرق سوريا وبهدف ملء الفراغ القائم في المنطقة وتنظيم صفوف الشعب تأسست الإدارة الذاتية بمبادرة الشعب الذي وجد في تلاحم المكونات وأخوة الشعوب  والحرية والديموقراطية ضالتها لحماية ذاتها مما شكل نموذجاً للموزاييك السوري بكل إنتماءاته الأثنية والعقائدية. وبدأت الإدارة بالبحث عن الشريك السوري الذي يؤمن بوحدة الأرض السورية، ولا يريد العودة إلى الأوضاع التي كانت سبباً في المأساة السورية، ويعمل من أجل تأسيس نظام يضمن الحرية والمساواة وحقوق الإنسان لجميع السوريين. فطرقت باب النظام فوجد في ذلك ضعفاً وطلب منها الإستسلام. ثم طرقت باب الإئتلاف للإنضمام إلى مساعي السلام، فوجدت أمامها الفاشية التركية التي كانت ولا زالت راعية الإرهاب، ولا تريد حلاً سورياً لا يضمن أطماعها في سوريا والمنطقة.

الوفود التي طرقت أبواب دمشق بهدف الحوار والتفاهم ضمت ممثلين عن الكرد والعرب والسريان شركاء المصير في الإدارة الذاتية الديموقراطية، فكان رد ممثلي النظام : ” لماذا تضمون العرب والسريان إلى الوفد ؟ نحن نريد الأكراد فقط” !!! فمن هو الإنفصالي ؟ وكان الجواب : “نحن امتزجت دماء شهدائنا دفاعاً عن الوطن السوري، ومن يريد الفصل بيننا فليفصل دماء عشرات آلاف الشهداء أولاً “.

أما عن العمالة لأميريكا تقول الإدارة : نحن لم نستدعي أحداً إلى التدخل في سوريا، مثلما استدعى البعض كلاً من إيران وروسيا. ونسقنا مع التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب لأننا لم نجد من يقف إلى جانبنا في معركة الوجود هذه، ثم إننا لانرى في التحالف الدولي عدواً، ومثلما لم نستدعيه لا يمكننا محاربته لإخراجه”. وإذا كان النظام جاداً فلنتحاور للإتفاق على من هم أعداء الشعب السوري ومن هم أصدقاؤه أولاً، ثم نتفق على كيفية العيش المشترك ضمن البيت السوري الواحد، ثم ندخل في جبهة واحدة ضد أعداء الشعب السوري المتفق عليهم، وتعزيز العلاقات مع أصدقاء الشعب الذين نتفق عليهم.

أما الإتهام بالإنفصالية والعمالة إنطلاقاً من ذهنية البعث التي دمرت سوريا، والخنوع لمصالح الأوليغارشية التي لا زالت تتحكم في أرزاق الشعب وتكتم أنفاسه، فهي إتهامات باطلة يطلقها النظام للتهرب من إستحقاقات المرحلة.