لكل السوريين

البشر عطاش والأرض عطشى.. المياه تتنزه في شوارع جبلة

تقرير/ سلاف العلي

يواجه الساحل السوري شحا في مياه الشرب ومياه الري، رغم وفرة المياه والينابيع ووجود عدة أنهار وسدود صممت للاستفادة من المياه الجوفية، حيث تعالت أصوات المواطنين أكثر من مرة مطالبين بتحسين وضع المياه، ففي السنة الماضية عانى المزارعون من نقص في المياه ما أثر سلبا على وضع موسم الحمضيات والزيتون وبقية المحاصيل الزراعية، في ريف اللاذقية وخاصة في جبلة وريفها.

فمن كان يملك أرضا معظمها أشجار حمضيات، في العام السابق خسر موسم الليمون بسبب قلة المياه رغم شراء المواطنين صهاريج المياه عدة مرات لمنع موت المحاصيل، لكن هذه السنة ومع اشتداد موجة الجفاف والحر، فالقسم الأكبر من المواطنين لم يستطيعوا سقاية الشجر، فالليمون يحتاج لسقاية مستمرة لضمان سلامة الثمار، وانقطاع الكهرباء وشح المياه خلق مشكلة حقيقية للمزارعين، كل عام يتم مواجهة المشكلة نفسها، لا كهرباء ولا مياه تضخ للسقاية، وكل عام يضطرون لشراء مياه لسقاية أشجار الليمون، رغم هطولات المطر بالشتوية الا ان المناخ الحالي سيؤدي الى خسارات كبيرة، فمشكلة المياه لا ترتبط فقط بسقاية المحاصيل، بل وصلت إلى مياه الشرب والاستخدام اليومي. فقد وصل سعر الخزان الذي تصل سعته لـ 5 براميل ما لا يقل عن 350 ألف ليرة والسعر يتفاوت حسب بعد المنطقة عن مصدر المياه. ويتخوف أهالي الريف هذا الصيف 2024 من اضطرارهم لشراء المياه رغم أن الصيف ما زال في بدايته، ولكن ضخ المياه قليل جدا، وأسعار نقل المياه تخضع حاليا لأسعار البورصة.

المواطنون الذين يقطنون في مدينة جبلة وقراها، القريبة من نهر السن الشهير يعانون كل عام من قلة المياه، رغم قرب المدينة وبعض القرى من النهر إلا أن المياه لا تصلهم بشكل مقبول، فالسن يغطي قرى ريف جبلة ويصل لقرى ريف اللاذقية حسب تنظيم ضخ المياه في الساحل، ومشكلة ضخ المياه أن مؤسسة الري تضخ المياه لخزانات كبيرة وبعدها يتم ضخ المياه من هذه الخزانات للقرى المحيطة بها، وهذا كله يتغير حسب توفر الكهرباء وكمية الضخ، والان معظم القرى يتم ضخ المياه اليها نصف ساعة باليوم وهي لا تكفي لتعبئة مياه شرب، وأحيانا في وقت وصل الكهرباء يبدأ السكان في سحب المياه عبر (الدينامو) فلا تصل لأخرين أحيانا المياه، الجميع من سكان الساحل يعاني من مشكلة المياه، فيجد حياته منحصرة بين مراقبة ضخ المياه ووصل الكهرباء ولا يجد وقتا ليفكر بشيء آخر، هو وغيره يبرمجون حياتهم حسب ضخ المياه، فالاستيقاظ في الساعة 3 فجرا لانتظار المياه، والتأكد من امتلاء الخزانات، فيعيشون يومهم حسب ضخ المياه ووصل الكهرباء.

والشيء الغريب والفظيع هو انتشار خبر كل فترة وأخرى، على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، تتحدث عن أنهار تجري في شوارع جبلة وطرق القرى، حيث تسيل مياه الري والشرب في الشوارع. والواقع أنه بسبب سوء شبكة الري في المدينة وفي القرى، فإن معظم أنابيب ضخ المياه تعاني من التسرب مما يجعل قسما كبيرا من المياه يسيل في الشوارع، فمشكلة شبكة الري المنفذة لا تلتزم بمعايير الجودة أو السلامة، مما يجعل هذه الأنابيب تتخرب عند وجود ضخ قوي للمياه.

فالعديد من المهندسين في جبلة يؤكدون أن قسما كبيرا من أزمة المياه يعود لسوء شبكة المياه، وأن متعهدي الطرقات لم يلتزموا بمعايير الجودة فيما يخص تمديدات المياه والصرف الصحي، عندما يتم الاقتصاد في تمديدات المياه وعدم التنفيذ للخطوات اللازمة لضمان عدم وجود تسريب مياه أو ضمان استمرارية سلامة التمديدات لزمن كاف فمن الطبيعي أن تتأثر شبكات المياه بعد عام، ومن المفترض أن تقاوم شبكات المياه لوقت طويل من الزمن، فالشبكات القديمة لم تعانِ من مشكلات التسريب كما يحصل اليوم، ولكن استخدام المتعهدين لمواد رخيصة وسرقتهم للمشاريع هذا كله سيؤثر سلبا على شبكات المياه وبالتالي سينقص وارد القرى من مياه الشرب والري.

في العام السابق فاضت سدود جبلة وريفها، وكان منسوب المياه أكبر من المعتاد، بالرغم من تخزين كمية كبيرة في السدود ولكن لم يتم استخدام الفائض وتخزينه، وبعض السدود كانت قادرة على تغذية قسم كبير من سهول ريف جبلة وإمداد هذه المناطق بمياه الشرب، ولكن حتى اللحظة لم يتم اتخاذ خطوات فعلية في هذا الخصوص، وحسب المتداول في أوساط مؤسسة المياه في اللاذقية فهناك مشروع لمد خط مياه شرب لتغذية مدينة جبلة وقراها إضافة لخط نهر السن بعد تنقية المياه وتصليح شبكات المياه القديمة ، لكن نتيجة عدم الصيانة ، الأمور متوقفة والخسارات مستمرة، ولا توجد خطط مستدامة لضمان توفر المياه واستمرار استجرارها، فيفترض أن يتم استثمار فائض العام السابق من المياه واستثمار مياه الأمطار ولكن دائما الحجج الحكومية تدور في فلك العقوبات الاقتصادية والتكاليف الكبيرة والميزانية غير كافية، وقد كان سكان الأرياف يحفرون لعدة أيام بحثا عن مياه جوفية، آبار ارتوازية، ولكن في هذه الأيام اصبحت العملية مكلفة جدا ولا قدرة اليوم للمزارعين على تحمل تكاليف الحفر، رغم غنى ريف جبلة بهذه الآبار الا انها خارج العمل تقريبا، ينتظر سكان ريف جبلة الجبلي سنويا موسم الصيف ليبيعوا منتجات أراضيهم التي ستعيلهم في فصل الشتاء، حيث تشتهر جبال ريف جبلة بزراعة الكرز والتفاح الصيفي وتحتاج هذه الأنواع لحرارة منخفضة في فصل الشتاء وري كثيف خلال أوقات العام إضافة لزراعتهم التبغ، وما ساعد المزارعين هذا العام هو هطول أمطار في شهور آذار ونيسان وأيار على غير عادة، ما خفف على المزارعين سقاية مشاتل التبغ وإلا لكانت الخسارة كبيرة، وفي فصل الصيف تكون فواكه موسمية لا تتوافر في شهور أخرى، لكن موسم الحمضيات هذا العام والبندورة هو ما سيكون سيئا وخاسرا لكثير من المزارعين، فمن غير المنطق عدم توفر المياه لسكان الساحل في الوقت الذي تصرف فيه بلدية جبلة  كثيرا من المياه لغسيل الشوارع بحجة الحفاظ على النظافة العامة في حين أن عددا كبيرا من أحياء جبلة وقراها لا يجدون مياها كافية للاستخدام اليومي، حيث ان شبكة الصرف الصحي وشبكة المياه في كل الساحل تحتاج لصيانة بعد زلزال شباط المدمر ، فالتصدعات في الأنابيب لن تظهر نتائجها فورا ولكن سكان الساحل سيعانون منها لاحقا، إضافة إلى أن شبكات الري في كل قرية معدة لتغذية عدد محدد من المنازل ولا تستوعب التزايد السكاني الحاصل، وما يفعله موظفو المياه هو أنهم يزيدون الضخ ويزيدون ضغطه خلال وقت قصير ما ينجم عنه تصدعات في شبكات المياه وأعطال مستمرة.