لكل السوريين

حول مصطلح المواطنة ’’2’’

إعداد وتصرف انعام إبراهيم نيوف

انطلاقا من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (عام 1948) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصبح تحديد الأبعاد المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لمفهوم المواطنة، في العصر الحديث، كالتالي:

– في البعد المدني: المساواة بين المواطنين أمام القانون: حقوق الأقليات في الثقافة اللغة والمعتقد الديني- حرية الرأي والتعبير في إطار القانون – حق المشاركة في إدارة الشأن العام – حقوق الملكية والتعاقد.

– في البعد السياسي: حق الشعب في تقرير مصيره السياسي بنفسه – حق الاجتماع في الجمعيات والأحزاب السياسية – حق المشاركة في الاقتراع العام والترشح للمجالات التشريعية والمحلية – حق المعارضة السياسية.

– في البعد الاجتماعي: المساواة بين الجنسين- رفض أشكال التمييز- حق الرفاه الاجتماعي- الحق في التعليم – الحق في العمل – الحق في الرعاية الصحية – تأمين حاجات الفرد والأسرة.

– البعد الاقتصادي: الحق في التنمية الاقتصادية – الحق في الحصول على نصيب عادل من الثروة الوطنية – حماية البيئة الطبيعية من التدمير- حماية الموارد والثروات.

ومن أجل ترسيخ قيم المواطنة ومفاهيمها في عقل وإحساس المواطن شرعت العديد من الدول الديمقراطية، بعد سقوط حائط برلين، (في تسعينيات القرن الماضي) في تدريس مادة المواطنة في السلك الابتدائي وإدماجها في موارده التربوية، ما جعلها الدرس الأساسي في التعليم الأساسي؛ ذلك لأن الوعي بمقومات المواطنة، وما يتبعه من إحساس بالمسؤولية والتزام بالواجبات نحو الوطن، يكتسب بالتأهيل الاجتماعي، الأسري، بتدخل المجتمع المدني والمؤسسات السياسية ووسائل الإعلام، وقبل ذلك وبعده بالمناهج المدرسية، حيث يتم إعداد الطفل من المهد مواطنا قادرا على المشاركة الفاعلة في خدمة وطنه، قادرا على تحمل مسؤوليات هذه المشاركة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وبيئيا.

في عالم اليوم، حيث تسود قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان غالبية الدول المتحضرة، أصبحت : التربية على المواطنة ، قاعدة أساسية من قواعد مناهجها التربوية، خاصة بعدما اعتمد العالم عام 1989، أحكام الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تلح على عدم النظر إلى تلاميذ المدارس كمجرد تلاميذ ينبغي إعدادهم لكي يكونوا مواطنين في المستقبل، ولكن يجب إعدادهم قبل ذلك للمشاركة الفاعلة في بناء وطنهم وتأهيلهم لحمايته وصيانة تراثه وثرواته والعمل على تقدمه ونهضته؛ وهو ما يتطلب تزويد أطفال المدارس بالمهارات والمعارف والقيم التي تؤهلهم لتحمل المسؤوليات في المجالات الحيوية، السياسية والاجتماعية ولاقتصادية والثقافية والبيئية وغيرها، وإعدادهم للمساهمة الإيجابية في تطوير المجتمع نحو الأفضل.

يقول علماء التربية، في العالم الديمقراطي، إن التربية على المواطنة تسهل أمر التربية على العولمة، أولا لأنها تنشئ الفرد/ المواطن عضوا فعليا في دولة وطنية، في نظام محدد من الواجبات والحقوق، يشب على أعمال الفهم والتحليل والنقاش والقبول بفكر وحوار وآراء الآخر، وعلى إبداء الرأي بحرية وشجاعة، وثانيا لأنها تستقطب للتنمية والتنافسية/ قطبي العولمة، الكفاءات والعقول والقدرات، القادرة على التنافس والإنتاجية الجيدة.

هكذا تصبح المواطنة في بلاد العالم الثالث إشكالية يصعب الإمساك بها، فهي مستقرة في الزمان والمكان، تمتد في أفكار النخب وفي تصورات الأشخاص والجماعات، وتسكن في اهتمامات الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية، وفي الأطروحات الأكاديمية، ولكنها ما تزال بعيدة المنال على أرض الواقع.

الكل يجعلها مطلبا حقوقيا أو أساسيا أو تربويا، والكل يريدها بشروطها ومواصفاتها وقيمها، والكل يدرك أن المواطنة لا تكتفي في وجودها بشرط الإرادة السياسية، بل تزيد عليها شروط التربية والممارسة، والكل يصطدم بواقع الحال، بواقع المجتمع المشلول بالأمية والفقر والتخلف والفساد؛ وهو ما يجعل المواطنة في العالم الثالث مشروعا مرتبطا بأوراش الإصلاح المفتوحة على الكثير من المواجهات… والتي تأمل بعضها في الخروج من عنق الزجاجة والانخراط في المنظومة الديمقراطية، التي تقود عالم اليوم إلى الليبرالية والعولمة.

إن واقع العالم الثالث اليوم، وهو يتفاعل سلبيا مع ثروة المعلومات وثروة التكنولوجية، و”قرارات” العولمة، يعطي الانطباع بأن معوقات عديدة ومتنوعة مازالت تبعد المواطنة عن موقعها السياسي والحقوقي والتربوي في أركانه وزواياه المختلفة؛ فآليات الفساد الممتدة على ساحته (الرشوة والاغتناء اللا مشروع ، الفساد المالي، الفساد الإداري، الفساد السياسي، الفساد الاجتماعي، الفقر، التهميش، البطالة، البيروقراطية، الزبونية، استغلال النفوذ) أسلحة فتاكة وقاتلة توجه ضد “المواطنة” وضد دلالاتها ومفاهيمها وقيمها السياسية والإنسانية، وهو ما يجعلها مشروعا مستقبليا، لا يمكن الاعتماد عليه خارج شروطه الموضوعية.

في نظر العديد من خبراء هذا الشأن إن تحقيق مواطنة صحيحة وفاعلة في واقع العالم الثالث، وخاصة في دوله التي تتحفز “الانتقال” إلى عصر العولمة، يقتضي قبل كل شيء تربية أجياله الصاعدة على المواطنة، على المشاركة، كما يقتضي تغييرا شاملا لكل البنيات التي تقوم عليها أنظمة العشوائية والمستبدة؛ وهو ما يعني في نهاية المطاف أن المواطنة حق ممكن لا أحد يجادل في أهميته وخطورته بالعالم الثالث، ولكنه حق مستحيل التحقيق خارج شروطه الموضوعية التي مازالت تستقطب نضالات القوى المتنورة على أركانه.