لكل السوريين

موسم الربيع يوفر رزقاً لأهالي وسط سوريا ويخفف الأعباء الاقتصادية

بدأ موسم “الحشائش” البرية كما يُحب أن يُسميه أهالي وسط سوريا، أو “موسم الفقراء” الذي يُطعم الغني والفقير ويسوّي بينهما على موائد فصل الشتاء.

تغني وجبة من الفطر البري على مائدة الغداء عن أنواع من اللحوم الحمراء والبيضاء، كما تعد وليمة مع فطائر العجين مع “العوينة أو الحميض أو البقلة والمسيكة والمشّى وقرص العنّى” وهي من الوجبات التي تُرضي العائلة بأقل التكاليف.

وتحتل أنواع “الهندباء والخس البري” مواقع المقبلات نيئة أو مطبوخة، ولنبتتي “اللوف والدردار” طقوس مميزة لصنعها، وكل هذا بانتظار نبات “العكوّب الشوكي” ليأتي متأخرا قبل نهاية الموسم ويسدل الستار على موسم الخير.

يذكر أهالي حماة وحمص أن هذه “الحشائش” لم تشتر وتباع قبل اندلاع الحرب، ولم تكن إلا وجبة يقصدها الأهالي أثناء التنزه، في حين أصبحت اليوم وبعد الانهيار الاقتصادي وتدهور الحياة المعيشية للمواطن، المنقذ والميسّر لعامة الناس.

كان هذا الموسم في السابق موسماً ترفيهياً يرتاد فيه الأهالي البرية بحثاً عن هذه الحشائش للتسلية والنزهة، أما اليوم فقد أصبحت من الأمور اللازمة خلال أشهر الشتاء لتوفير الطعام المجاني في ظل الغلاء والتردي المعيشي، فوجبة من الدردار تكفي العائلة المكونة من خمسة أفراد توفر على العائلة ما يزيد على خمسين ألفاً في حال طبخ أرخص طبخة تشترى موادها من السوق.

إذا ليس غريبا أن تمتلئ أسواق الخضار وعربات الباعة وأكياس الزبائن في مدن حمص وحماة، بهذه الأنواع من الحشائش معظم موسم الشتاء وأن تصبح الحديث الشاغل للنساء والرجال على حد سواء، لما تحققه من وفر على الزبائن وريع للمنتجين، ولكن الغريب عندما نعلم  أن معظم من يجمعون الحشائش “السلّاقة” ويقومون بتوزيعها على الأسواق أكثرهم من النساء.

أراض ممتدة إلى أعماق البادية تزخر بأكثر من عشرة أنواع من الحشائش الشتوية عدا الفطر وعشرات “السلّاقة” من النساء والأهالي القاطنين والنازحين، لتؤمن هذه العمل الحر والربح الحلال دون قيود أو ملكية أو حدود، وبكثير من الحرية والأمان، حتى باتت هذه الأراضي مصدر عيش موسمي ينتظره العديد من العائلات الوافدة والريفية، كما ينتظره عامة الناس.

هنالك أنواعاً برية أخرى ما تزال الأجيال الجديدة تتعلم استغلالها منها ما يأتي في فصل الربيع والصيف كالنباتات الشوكية البرية “الشلفون- العطور-والأرضي شوكة البري” وأنواع أخرى تطبخ وتشكل وجبة غذائية على شكل “عصورة” أو “محشي” ومنها على شكل “مفركة” كنبتة “التفافيحة” وهي نبتة تنبت جذورها حبات خضراء كحبات البطاطا.

يرى القرويون أن الأرض هي الموطن الخصب للخير إن أحسن الناس استغلاله والبحث في مكامنه، وأن العودة للطبيعة أمر حتمي كما يقولون، فهي المكان الوحيد الذي يعطي دون حساب ودون احتكار، ويعتقد بعض الكبار في السن أن تخلي الناس عن الطبيعة جعلهم اتكاليين وكسالى، وأسهم في تراجع البنية البدنية للناس.

ويفرض سوء الوضع المعيشي على المواطن العودة للانتفاع بخير الطبيعة، سواء بقصد العيش المباشر من تناول ما تقدمه من حشائش، أو ببيعها لتحسين الدخل ولو قليلاً في ظروف البطالة والانهيار الاقتصادي الذي ضرب البلاد، وسط استغلال بشكل مقصود أو غير مقصود للعمال نتيجة تدني الأجور.