لكل السوريين

ما يثير المشاعر

عبد الكريم البليخ 

اتصل به في ساعة متأخرة في ليلة شتائية باردة، وحاول في مرات عديدة أن ينقل له ما سبق أن حدث معه في رحلته الأخيرة.. الرحلة رقم 19 إلى الولايات المتحدة، وكما وصفها له صديقه الطبيب عبد المجيد فإنها تثير الكثير من السخط. المشاهدات كثيرة ومؤلمة، وتصدر واقعاً موحشاً لم يعتاد عليه من قبل.

المعطيات تؤكد أنّ الطبيب عبد المجيد اعتاد في معظم رحلاته إلى بلاد العم سام القصيرة جداً ومنها ما لم يدم يوم أو يومين على الأغلب كانت تخلو من الطرافة، أو حتى أنه لم يعد بمقدوره تصوير ما يمكن أن يلاحظه خلال تلك الفترة القصيرة جداً والتي لا تستحق الوقوف عندها، إلّا أّنّه في هذه المرة حاول مراراً أن يُتحفنا ببرنامج رحلته الأخيرة مع اثنين من أصدقائه الفلسطينيين الذين سبق أن تعرّف عليهم هناك ويكبرونه سناً، وإنما كما أشار لنا أنّ زيارته إلى ذلك المكان برفقتهم كان خارجا عن ارادته وعن المألوف، ورغم ذلك حاول أن يفكر في ذلك قبل أن تخذله قدماه وتوديان به إلى المكان الذي لم يسبق له أن فكر به يوماً لمجرد التفكير الذهاب إليه، من باب أخلاقي أولاً، ولا يتناسب معه كسمعته كطبيب ثانياً، وبسبب عدم اقناع نفسه بالتوجه إلى أمثال تلك الأماكن الخلاعية التي تضمّ الأغلبية لجهة الذهاب إليها والاستمتاع بما تعرض في صالاتها المَهيبة الفاخرة!.

ركب صديقنا الطبيب عبد المجيد إلى جانب أشرف ومحيي الدين وطاف بهما في شوارع مدينة نيو أورليانز في ولاية لويزيانا الأميركية، وبعد حوالي خمسة وأربعين دقيقة وصلا وجهتهما ونزلا من سيارتهما المرسيدس الحديثة الصنع، وبعد أن ركناها في احدى الكراجات المخصصة لذلك ساقهما قدرهما إلى احدى المحال التي تستقطب الجنس اللطيف ومثله من الجنس الآخر، وأمضيا وقتهما وبكل أريحية وهم يتغزلان بالبنات العاريات من ملابسهن، ويستعرضن بأجسادهن الجميلة أمام حشد كبير من الحضور يتابعون ما يجري، كاشفات عن عوراتهن.. والمضحك أنَّ جلّ المتابعين لهن يحافظون على أجسادهم من العري، أي أنهم يتابعون ما يَقمن به من استعراضات وبكل هدوء ولطف وتفرّد في الوقت الذي يحافظ فيه الزبائن  فيه على عدم كشف عوراتهم وأي جزء منها، وإن كان “تافهاً” من أجسامهم.

كان الحضور يغصّ بالصالة الفسيحة لقضاء ساعة أو ساعتين من اللهو والفوز بساعة مسلية ترد الروح لأمثال هؤلاء الشباب الثلاثة وغيرهم الذين جاؤوا ليشاهدوا ويستمتعوا، وعن كثب، بتلك الصور الجديدة عليهم، التي يرونها ولأول مرة، وما كان ينقل لهم ذلك عبر صديق مهاجر، أو عبر برامج التليفزيون، أو من خلال ما يشاهد ويتابع من خلال الأفلام السينمائية، وما تعرضه دور العرض وما يثير ويدغدغ مشاعرهم.

استمر بقاء الأصدقاء ماكثين في جلستهم مبتهجين وفرحين بهذه الاحاطة لنحو ثلاث ساعات ونيّف، واستمتعوا في هذه الجلسة المطولة التي جمعتهما مع بعضهما البعض ولأوّل مرّة، وخاصة بالنسبة للطبيب عبد المجيد الذي حالفه الحظ في حضور هذه الجولة الخجولة الأولى من نوعها والتي أصرّ صديقاه أشرف ومحيي الدين على حضور أمثال هذه المناظر التي تثير المشاعر!

ساعات قلائل وأنهت معها الشابات العارضات في الحفل المسائي وصلتهن المقرّرة، وخرجوا من محال الاستعراض وهم يتهامسون إلى بعضهم البعض، مذكرين بعضهم باللقطات الجانبية، واللوحات والصور المثيرة التي لفتت نظرهما، فما كان منهم إلّا الاتجاه نحو سيارة المرسيدس التي سبق أن أتوا بها إلى هذا المكان والتوجه بها إلى حيث اقامة كلٍ منهما.

في اليوم التالي، اتصل الطبيب عبد المجيد بصديقه أشرف مبدياً سعادته بالمشاهد التي رآها وأحداث تلك الليلة التي لم يسبق له أن شارك فيها مع أحد في مثل هذه الاستعراض الجديد الذي أفرحه وأثلج صدره، وتمنى له أن يطول حتى ساعات الصباح الأولى، إلّا أنّ النعاس والارهاق الذي أصابه، وساعات العمل الطويلة التي تنتظره للقيام به في اليوم التالي، وإنهاء ما أوكل له من أعمال ملحّة، ألزماه على مغادرة المكان، إلّا أنه عاد وأكد لأحد أصدقائه على أنه سيعيد الكرّة مرة ثانية وثالثة، ولكن هذه المرة بمفرده ما دام أنه عرف المكان الذي يمكن أن يقضي فيه ساعات بعيداً عن الاحباط واليأس التي يعيشهما!