تقرير/ حسن الشيخ
تواجه الإدارة الذاتية الديمقراطية تحديات كبيرة في ظل الظروف الراهنة بعد سلسلة من الإنجازاتِ العظيمة التي حققتها على مدار السنوات المنصرمة عقب تخليص المنطقة من خطر التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها مرتزقة داعش، وما تواجهه الأن من هجمات تركيا المحتلة ومرتزقتها.
المنجزات التي حققتها الشعوب المتعايشة في مناطق شمال وشرق سوريا بعد صراع طويل خاضته عقب ثورة روج أفا 2012 وعجز الحكومة السوريَّة السابقة وانسحابها بمؤسساتها العسكرية والخدمية والإدارية من المنطقة، وتَرك شعوب المنطقة تحت رحمةِ هذه التنظيمات الإرهابيَّة الوحشيَّة وأخرها تنظيم داعش الإرهابي، لتُلاقي مصيرها في فقدانِ الأمان والخدمات الضروريَّة في حياتهم اليوميَّة، ولتزيد من معاناتهم فوق ما جلبتهُ من سرقة ونهب للبنيَّة التحتيَّة والمرافق الخدميَّة كمحطات المياه والكهرباء الى تدميّر المرافق التعليميَّة والإداريَّة المتواجدة لخدمة أهالي المنطقة، وغيرها الكثير والكثير من التدمير والخراب الذي كان أحد أسبابه الرئيسيَّة هو تغلل الفساد في المؤسسات والإداراتِ التي كان يُديره النظام السوري.
بالمحصلة… إنَّ الفساد بكافة أشكاله هو من أخطر الأمراض التي قد تُصيب الهيكليَّة الإداريَّة في أي نظام إداري وخدمي، لذلك من الخطورة تغلغل هذا المرض داخل أجهزة الإدارة الذاتيَّة الديمقراطية في ظل النجاح الملحوظ الذي حققته على كافة الأصعدة، والخشية كل الخشية هي ما إن تغلغل هذا المرض الخطير داخل جسم الإدارة الذاتية مما ينذر بعواقب لا تحمد عقباها، وما سيسببه من دمار للمنجزات التي تحققت بفضل النظام الإداري الفريد الذي تتميز به الإدارات عبر أجهزتها المتعددة من خلال نظام الرئاسة المشتركة، والمشاركة الشعبية الواسعة في هيكلية الإدارات، واتاحة المجال للمرأة للمشاركة الفعلية في كل مفصل من مفاصلها.
لذلك لجأت الإدارة الذاتية لتنشيط “نظام المحاسبة والمتابعة الإدارية” الذي ينبع من وعي وإدراك للخطر الكبير الذي من الممكن أن يلحق بجسم الإدارات، وما يسببه من سخط واستياء شعبي بسبب عدم وجود محاسبة للفاسدين والمستغلين للمسؤوليات الكبيرة الملقية على عاتقهم، والعمل على تفضيل المصالح الشخصية على مصالح الشعب بالتالي يتحول المكان الإداري الى مرتع لأمثال هؤلاء، وتصبح المسؤولية هي هدف أو عبارة عن طموح يعمل المستغل للوصول إليه لتحقيق مصالحه الشخصية على حساب الشعب، ناهيك عن تغلغل موظفين يحملون أفكاراً تسلطية واستفراد بموقع المسؤولية، وتحويله الى خدمة شخصية مصلحية بالتعاون مع مجموعة أخرى من ضعاف النفوس.
والأخطر من ذلك هو العمل على نشر الفساد الإداري بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في هيكل الإدارات مما يؤثر على العناصر الإدارية الكفؤة التي اثبتت جدارتها في العمل الإداري والخدمي، واعتقد بأن أمثال هؤلاء يجب ايجادهم، والعمل على تأهيلهم من جديد أو استئصالهم نهائياً من جسم الإدارة بما يتناسب من مصالح الشعوب، وتفعيل أليات المحاسبة بشكل صارم لتجنب خطر التحول الى نسخة أخرى من “مؤسسات إدارية فاسدة” كعادة الأنظمة المتسلطة التي ضاقت شعوبها ذرعاً بها.
الأن هنالك مسؤولية ثقيلة تقع على عاتق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في المرحلة المقبلة بعد الإعلان عن اكتشاف مجموعة من الفاسدين هنا أو هناك والإسراع لتشكيل لجان المتابعة والمحاسبة للقضاء نهائياً على أمثال هؤلاء الذين يتغلغلون في جسم الإدارات رويداً رويداً، وهذا ما أكد عليه القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي خلال اللقاء الذي أجرته معه قناة روناهي الفضائية مؤخراً حيث شدد على ضرورة العمل “لبناء الإدارة الذاتية القوية ادارياً واقتصادياً”، وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل من دون وجود جهاز للمحاسبة والمتابعة يضمن تحقيق المشاريع والأهداف التي تطمح الإدارة الذاتية لتحقيقها، والتركيز على بناء الأشخاص، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، والعمل على رفد الإدارة بأصحاب الكفاءات الخاصة الإدارية والفنيَّة (التكنوقراط).
ومن جهة أخرى هنالك مسؤولية تقع على عاتق الشعوب أيضاً وهي مُساعدة الإدارة في كشف المُخربين والفاسديَّن ضمن الأجهزة الإداريَّة هذهِ الثقافة يجب أن تكون سائدة ضمنْ مُجتمعاتنا لكشفهم بأسرعِ وقتٍ، ولأنَّ الشعوب هي الضحية، والأكثر احتكاكاً بالإدارييّن والمؤسساتِ الخدميَّة الأخرى فهذا الأمر يسهل عملية المحاسبة ما دامت الإدارة قريبة من الشعوب وتستمع لمطالبهم، وعدم ترك أمثال هؤلاء ليَتفشى فسادهم.
هنالك مسؤولية تقع على عاتق المؤسسات الإعلامية أيضاً لتوعية الشعوب بألية عمل المؤسسات والأجهزة الإدارية؛ وإزالة كل مفهوم خاطئ لألية عمل الإدارات، والمؤسسات الخدمية، لإيصال الصورة الصحيحة والمنطقية، وهي حقيقة يجب التأكيد عليها بأنَّ الموظف أو العامل ضمن تلك المؤسسات هو في هذا الموقع لخدمة شعبه، وليس العكس…!، ولا يمكن أن يكون العكس…!، بالتالي الارتقاء بالنظام الإداري يوجب سعي مشترك بين المنظومة الشعبية والإدارية مبينة على اساس الثقة المتبادلة على استئصال الفساد الإداري والفاسديّن، وايجاد الألياتِ الإداريَّة المناسبة لتحسين أداء العمل في هذا الإطار بما يضمن تحقيق أكبر منفعة للشعوب والوصول الى غايات وأهداف المؤسسات التي تَشكلت بفضلِ تضحيّات شعوبنا خلال السنوات الماضيَّة.