لكل السوريين

المحسوبيات واحتكار المناصب يرسخان الفساد المستشري في المؤسسات الثقافية بدمشق

تعاني الحركة الثقافية في دمشق من الجمود المستمر وركود الحركة في المراكز الثقافية وصالات المسرح والسينما الرسمية إلا فيما ندر، الأمر الذي يصفه متابعون بنتائج الفساد الثقافي.

ويرى هؤلاء المتابعون أن استئثار جيل بالساحة الثقافية في دمشق سبّب فساداً، حيث تغلق أبواب العمل الثقافي أمام شباب مبدعين، ليبقى ذوو النفوذ يحتكرون الفرص دون تحقيق نتائج مرضية.

وقال محمد عيسى، ناشر وشاعر سوري له مجموعات شعرية مطبوعة، إن “الأنظمة الاستبدادية تسعى لتعطيل القوانين، واستبدالها بالمحسوبيات والشللّية، من أجل خلق حالة شعبية مؤيدة  للسلطة”.

ويرى عيسى أن الأمر وصل لدرجة أن المواطن يستطيع، “من خلال السلوكيات الملتوية ، تحصيل نوع من المكاسب الشخصية، من توظيف أو تسهيل الأمور في التجارة والتهريب والرشوة والسرقة، وارتكاب جميع أنواع المخالفات، ليصبح لهذا الفساد نوع من الحصانة السياسية والمجتمعية بعد مضي زمن”.

أما بخصوص الميادين الثقافية، فيرى عيسى أن الفساد يتطور ليشمل المجتمع بأسره ولتصبح الثقافة جزءاً من منظومة الفساد هذه، فلا يعود للكفاءة داعٍ، لدرجة إمكانية أن “يصبح الشخص أهم كاتب أو صحفي أو أهم فنان أو مبدع أو إعلامي” عبر تلك الأساليب.

لكن المشكلة الأكبر، بحسب عيسى، تكمن في أن الجيل الجديد عندما يطّلع على هذه النماذج، يظن أن هذا هو الفن أو الأدب فينسج على منواله، وهكذا تدخل ثقافة أمة أو شعب ما بكاملها في “نفق لا قيمة له وتحت نوع من الفساد لا علاج له”، إلا عن طريق “الإعلام الحر، وتوفر حق التعبير، والقوانين الناظمة للحقوق والواجبات، وإعطاء الحق في قيام مؤسسات المجتمع المدني”.

ولا يقتصر الحديث عن الفساد في سوريا على الشخصيات الثقافية بل إن الموضوع بات شائعاً حتى على ألسنة مسؤولين كبار في الدولة، وكان رئيس الوزراء في حكومة النظام، عماد خميس، قد كشف في لقاء على التلفزيون الرسمي في السادس من شباط/ فبراير الماضي، أن ملف مكافحة الفساد هو من أهم الملفات على طاولة الحكومة السورية، مشيراً إلى أن إعادة دراسة القوانين الناظمة لعمل المؤسسات هي خطوة أساسية لمكافحة الفساد واعتماد مجموعة من الإجراءات التنفيذية للقضاء عليه.

وقالت رولا حسن، شاعرة سورية صدرت لها مجموعات شعرية ونقدية، إن الفساد في المشهد الثقافي واضح، فلا يستطيع أي كاتب أن ينشر في جريدة أو مجلة سورية إذا لم يكن على علاقة بأحد مسؤوليها، “لذا نجد الأسماء نفسها تتكرر في مواضيع باهتة لا تتناسب وتطور الثقافة في العالم، وهناك مسؤولون عن أقسام ثقافية لم يتغيروا منذ عشرات السنين رغم ضحالة إنتاجاتهم الثقافية ورغم كل ما جرى في سوريا، بقيت صيغة التعامل مع المثقف السوري وتهميشه هي ذاتها”.

وأضافت حسن أن الحل الوحيد هو “إلغاء التهميش وتغيير آلية تعيين المدراء واستبعاد العقلية الأمنية فلا ثقافة بدون حرية”، فمن المجحف برأيها “الاستخفاف بمثقفينا السوريين الذين بقوا في سوريا ولم ينساقوا وراء الشعارات الرنانة”.

وكان مثقفون سوريون قد أبدوا استنكارهم لقيام وزارة الثقافة بنعي المخرج السوري محمد قارصلي، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد أن منعت عرض أفلامه الـ /96/ والتي نالت أغلبها جوائز عالمية، كما استنكروا نعيها للشاعر والناقد السينمائي، بندر عبد الحميد، في شباط/ فبراير الفائت، بعد أن همشته لفترة طويلة من الزمن نتيجة مواقفه.

أما الممثل جمال قبش، فقد لخص أسباب الفساد الثقافي بثلاث نقاط، أولها أن الفترة الطويلة (غير القانونية) لبقاء المسؤول في منصبه تجعله على دراية كافية بأساليب الفساد فيتمادى بعد أن يشعر بالأمان ، ثانيها تكمن في انتقاء أشخاص غير مناسبين ولا يمتلكون أي خطط ليكونوا مسؤولين عن العمل الثقافي، أما النقطة الثالثة التي تكرس هذه الظاهرة وتضمن استمرارها فهي انعدام المحاسبة.

وكان قبش قد شغل منصب عميد المعهد العالي للفنون المسرحية لثلاثة أشهر فقط خلال العام 2011، ثم أقيل بعد مقابلة بخصوص مهرجان المسرح الجامعي على قناة “سورية دراما”، فقد كان رئيس لجنة التحكيم في المهرجان وعبر خلال المقابلة عن عدم ارتياحه من الوضع المسرحي في البلاد، وأنه “مقيد في عمله” ملمحاً إلى وجود “ضغوط لتقديم استقالته”، بحسب ما نقلت إحدى المواقع المحلية.

نورث برس