لكل السوريين

تراجع التعليم الحكومي يدفع ذوي طلبة طرطوس لسياط الدروس الخصوصية، ويؤمن فرص عمل لـ أساتذة أقرار”

طرطوس/ ا ـ ن

انتشر التعليم الخاص والمدارس الخاصة والدروس الخصوصية بشكل كبير، في محافظة طرطوس، كما شهدت الدروس الخصوصية، انتشارا واسعا، فهناك عدد كبير من الأمهات أو الآباء لا يجدون الوقت الكافي لتدريس أبنائهم، ما يضطرهم لإرسال ابناءهم الطلبة للحصص الخاصة، وهي باتت واقعا كثير الانتشار في ظل توسع المناهج، وكثافتها، وصعوبة دراستها وفهمها من قبل الطالب وحيدا.

وللاطلاع على المدارس الخاصة ومشاكلها واشكالياتها، قامت مراسلتنا في طرطوس بجولة على المدارس الحكومية، ولاحظت اتجاه الكثير من الطلبة وذويهم إلى الدروس الخصوصية.

وكانت البداية مديرة مدرسة إعدادية حكومية الأستاذ ربا، وقالت لنا “كان المرجو من المدارس الخاصة هو انها ستساهم بتخفيف العبء عن المدارس الحكومية في ظل الازدياد الملحوظ بأعداد الطلبة، وان تكون الرديف الحقيقي للمدارس الحكومية، وتعمل على تأمين فرص عمل للخريجين المؤهلين، ولشرائح أخرى عديدة”.

ورغم أن مديرية التربية تقوم ممثلة بدائرة التعليم الخاص بالإشراف والمتابعة من خلال جولات دورية لكافة المؤسسات التعليمية الخاصة والمدارس، كما يتم الإشراف من قبل موجهين تربويين واختصاصيين، إضافة لوجود مدير مشرف من العاملين الأصلاء في وزارة التربية مهمته الإشراف والمتابعة بما له من المهام المحددة.

وقالت نوارة مديرة إحدى المدارس: “إن ما تقدمه المدارس الخاصة وتفتقده المدارس الحكومية هو الذي يدفع الأهالي لإنفاق هذه المبالغ الكبيرة لتسجيل أبنائهم فيها، مثل موضوع الألعاب للصغار والتفاعل معهم بشكل كبير من قبل المعلمات، إضافة إلى الاهتمام الكبير بالمناهج التعليمية إن كان منهاج الدولة أو المناهج الإثرائية التي تضيفها المدارس وخاصة في مواد اللغات الأجنبية، كذلك موضوع التعاقد مع أطباء لإجراء فحص دوري لكل الطلبة، وطبعا هذا أمر لا تلتزم به كل المدارس الخاصة، وبعضها يكون تعاقدها مع الأطباء وهميا”.

وأضافت أن “المدارس الخاصة تختلف فيما بينها أيضا، فمنها مدارس لا تلتزم بالمعايير المطلوبة ولا تقدم خدمات تعليمية ممتازة كما هو مفروض، لكن هذه المدارس تخسر طلبتها بعد عام دراسي واحد فقط”.

مناهج إثرائية مرتفعة السعر

ندى مديرة مدرسة أخرى ، قالت: “هنالك عدة أسباب وراء الارتفاع الكبير في أقساط المدارس الخاصة ، أولها ارتفاع تكاليف ما تقدمه هذه المدارس للطلاب، فالمناهج الإثرائية أسعارها مرتفعة جدا، إضافة إلى ما تتكفل به المدرسة من لباس متعدد ومتنوع، والقرطاسية التي تؤمنها المدرسة للطلبة على مدار العام بكل تفاصيلها من أقلام وألوان ودفاتر وغيرها، تضاف إلى ذلك المبالغ الكبيرة التي يطلبها أصحاب وسائل نقل الطلاب التي لا علاقة للمدرسة بتحديدها، وفوق كل هذا الإيجارات المرتفعة جدا، إذ إن صاحب العقار وبمجرد معرفته أن المستأجر يريد إنشاء مدرسة خاصة يزيد الأجرة ضعفين أو ثلاثة أضعاف”.

الأستاذ طارق وهو مدير مدرسة أشار إلى الكيفية التي يتم بها اختيار المدرسات والمدرسين، أن الأولوية للخريجين الجامعيين وحملة الدبلوم والماجستير، لكن هذا لا يعني استبعاد خريجي المعاهد، فمنهم من صارت لديه خبرة كبيرة في التدريس والتعامل مع الطلبة وخاصة في المراحل الأولى.

ولفت إلى أنه في الكثير من المدارس الخاصة تتم متابعة النظريات التربوية الحديثة وتطبيقها، واستخدام التقنيات الحديثة في التعليم وتعريف الطلاب عليها لأنها صارت لغة العصر، كما تحرص هذه المدارس على التواصل الدائم مع الأهالي عبر دفاتر التواصل المخصصة لكل الطلاب ومجالس الأهالي التي تقام أكثر من مرة في العام، والمجموعات التي تنشأ على تطبيق (واتس اب) لكل شعبة وتضم الأهالي وإدارة المدرسة وكادرها التعليمي.

استخراج قروض لتأمين الدورة الخصوصية

أم أمثل وهي والدة أحد الطلاب في الصف التاسع، أوضحت “ألح ابني للتسجيل في مدرسة خاصة، وقعنا تحت الدين، رغم أنني موظفة وزوجي موظف ونعمل لتأمين متطلبات واحتياجات البيت والأولاد, لم أترك قرضا إلا سجلت اسمي فيه، ولا توجد قائمة من قوائم الجمعيات الشهرية بين الزملاء والجيران الا لي فيها اسم  أو أكثر, حتى صندوق المساعدة الاجتماعية طرقت بابه، ناهيك بالاستدانة من الأهل والأصدقاء، كل ذلك في سبيل جمع قسط المدرسة الخاصة التي سجلنا فيها”.

مبالغ بالملايين

أم جوزيف أم لثلاثة أطفال، اثنان منهم في مدارس خاصة، واحد في المرحلة الابتدائية والثاني في المرحلة الثانوية، تدفع أكثر من مليون ليرة سنويا أقساط المدرستين، وعن سبب تفضيل المدرسة الخاصة على الحكومية برغم ارتفاع الأقساط قالت: السبب الرئيس هو جودة التعليم، أو على الأقل الجدية في التعليم التي صرنا نفتقدها، للأسف، في الكثير من المدارس الحكومية, هناك إهمال كبير وواضح في المدارس، والمناهج لا يتم إنهاؤها على الأغلب.

وتشير قائلة “في العام الماضي كان ابني الكبير في مدرسة حكومية قبل أن أنقله إلى الخاصة، وعانينا كثيرا في بعض المواد واضطررنا للدورات الخاصة التي أنفقنا عليها مبالغ كبيرة، لذا قررنا نقله في العام التالي إلى مدرسة خاصة مجبرين وأوقفنا الدورات الخصوصية”.

واطلعنا على معاناة وأوجاع مدرسي المدارس الخاصة، وأنهم يعانون من ضغط العمل المفروض عليهم من قبل إداراتهم، وحقوقهم الضائعة التي لا يسمح لهم بالمطالبة بها لكونهم يأخذون عوضا عنها راتبا عاليا مقارنة بمدرسي المدارس العامة، إضافة إلى أنهم لا يسلمون من متطلبات الأهالي الذين ينظرون إليهم وكأن أقساط المدرسة التي يدفعونها لأولادهم تذهب إلى جيوبهم.

عفراء مدرسة لغة إنكليزي في إحدى المدارس الخاصة في مدينة صافيتا، تعمل في تلك المدرسة منذ 4سنوات براتب شهري وصل إلى 150ألف ليرة، تعد نفسها من المدرسين المحظوظين هناك، لأنها تعمل بعقد عمل سنوي قابل للتجديد، على عكس الكثير من زملائها الذين يعملون في مدراس لا تربطهم بها أي وثيقة رسمية، معللة ذلك؛ بأن قلة مدرسي اللغات بعامة ، تدفع إدارة المدارس للتمسك بهم، فتقدم لهم ميزة العمل لديها بعقد عمل، وحتى من دون تأمينات اجتماعية أو صحية، وتعترف عفراء بأن زميلتها خلود التي تعمل معها في المدرسة نفسها، وتقدمان جهدا متساويا تقريبا من حيث ساعات الدوام والعمل، لا تحصل إلا على85ألف ليرة، وتعمل من دون عقد عمل، لأنها مدرسة صف وليست مدرسة مادة اختصاصية، إضافة إلى أنها تعيش كل يوم احتمال أن تصبح خارج المدرسة بقرار من الإدارة.

وتشير عفراء إلى أن الميزة الوحيدة للعمل في المدراس الخاصة هي المعاش الشهري الذي يعد أفضل من معاش المدارس الحكومية، أما بقية التفاصيل فهي معاناة حقيقية، فإدارة المدرسة لا ترحم ولا تقدر أي ظرف، وأهالي الطلاب يرون أن المدرس يجب أن يكرس كل حياته للمدرسة وطلابها مقابل ذلك الراتب.

سهيل مدرس مادة رياضيات يحمل شهادة دبلوم تأهيل تربوي، وله 8 سنوات من الخبرة قضاها في التدريس ضمن عدد من المدارس الخاصة، يصل راتبه اليوم إلى 175ألف ليرة، يقول: “عانيت في بداية البحث عن عمل ضمن المدارس الخاصة من استغلال الإدارات ضمن الفترة التجريبية والمحددة من قبل وزارة التربية بثلاثة أشهر من دون عقد عمل وبراتب قليل، ومن ثم التخلي عن المدرس من قبل إدارة المدرسة والمجيء ببديل عنه حتى لا تكون المدرسة ملزمة بعقود عمل لجميع المدرسين لديها”.

وأصدرت وزارة التربية تعميما على مديرياتها يتضمن أقساط المدارس الخاصة، وبلغ الحد الأعلى للفئة الأولى في المرحلة الثانوية بحسب التعميم 700 ألف ليرة، و600 ألف ليرة للفئة الأولى في مرحلة التعليم الأساسي الجزء الثاني، و500 ألف ليرة للفئة الأولى في مرحلة التعليم الأساسي الجزء الأول، بينما حدد التعميم الحد الأعلى للفئة الأولى في مرحلة رياض الأطفال بـ 350 ألف ليرة.

وذكر التعميم قيمة بدل الخدمات والميزات الإضافية حسب عدد النقاط للمؤسسة التعليمية محددة قيمة النقطة الواحدة للمرحلة الثانوية بـ 30 ألف ليرة، ولمرحلة التعليم الأساسي الجزء الثاني بـ 25 ألف ليرة، ولمرحلة التعليم الأساسي الجزء الأول بـ 20 ألف ليرة، ولرياض الأطفال بـ 15 ألف ليرة.

وقد تم وضع أقساط سنوية وميزات إضافية وأجور الخدمات بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية، وخصوصا زيادة أسعار المحروقات والرواتب وأجور النقل العامة، وتم تحديد أجور النقل قبل بدء التسجيل على أن يتم إعلام أولياء أمور الطلاب، على ألا يتم زيادتها خلال العام الدراسي إلا في حال صدرت قرارات بزيادة أسعار المحروقات.