لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية.. تطور الدساتير السورية

تقرير/ لطفي توفيق 

احتضنت الحضارة السورية الضاربة في القدم، أولى الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية، حيث اكتشف علماء الآثار الكثير منها في منطقة سوريا التاريخية، تعود إلى مراحل وحضارات تاريخية مختلفة، ويعود أقدمها إلى تاريخ 2360 قبل الميلاد، في مملكة ماري التي تأُسست في الألف الثالث قبل الميلاد على ضفاف نهر الفرات في الجزيرة السورية.

ومع التطور التاريخي، بقيت سوريا في الحقبة المعاصرة مركز التشريع والتقنين في محيطها الجغرافي، رغم التقلبات السياسية والاجتماعية والانقلابات العسكرية التي عصفت بها.

وتنوعت التشريعات في التاريخ السوري منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى الستينيات القرن العشرين، حسب أنظمة الحكم الملكية والبرلمانية والرئاسية المتعاقبة.

وفرضت كل مرحلة دساتيرها وقوانينها الخاصة، حسب طبيعة الحكم في كل مرحلة، وتوجهاتها وظروفها السياسية والاجتماعية.

دستور عصري

تشير المراجع التاريخية إلى أن أول دستور عصري تم إعلانه، وشمل سوريا، هو الدستور الذي أقرّه السلطان عبد الحميد الثاني في العام 1876، وتضمن تحويل السلطة في السلطنة العثمانية إلى ملكية دستورية برلمانية، وأحدث مجلس وزراء مسؤول أمام السلطة التشريعية.

وضمن هذا الدستور الحريات الشخصية لكل الأقاليم في السلطنة العثمانية، ونص على استقلال القضاء، وفرض التعليم الابتدائي الإلزامي، وسمح لغير الأتراك للمشاركة في مفاصل الدولة.

وكان للسوريين حضور كبير في المناصب الرسمية، ومنهم محمد فوزي باشا العظم، الذي شغل منصب رئيس بلدية دمشق في العام 1891، وأصبح وزيراً للأوقاف في العام 1912.

وعبد الرحمن باشا اليوسف، الذي شغل منصب وزير الحج في العام 1909، وكان عام 1914، عضواً في مجلس الأعيان العثماني الذي كان يشكل مع مجلس المبعوثان المجلس العمومي العثماني.

كما كان فارس الخوري وبديع مؤيد العظم وعوني القضماني، وكثيرون غيرهم، أعضاء في مجلس المبعوثان العثماني، وهو المجلس النيابي، الذي جاء نتيجة أول انتخابات في التاريخ العثماني، وحدد تمثيل المسلمين بـ71 مقعداً، والمسيحيين بـ44 مقعداً، واليهود بأربعة مقاعد.

الملكية النيابية

بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، وخروجهم من البلاد العربية، تم تنصيب فيصل بن الحسين، ملكاً على سوريا والعراق، وتألفت أول حكومة وطنية سورية برئاسة رضا الركابي في العام 1918.

وانبثق عن حكومة الركابي لجنة مؤلفة من عشرين عضواً، برئاسة هاشم الأتاسي، قامت بوضع مشروع دستور مؤلف من 147 مادة، وأقر دستور المملكة السورية في تموز من العام 1920.

ونص هذا الدستور في مواده الأولى، على أن المملكة السورية العربية ملكية مدنية نيابية اتحادية، ولكل مقاطعة فيها حكم ذاتي ومجلس نيابي وحكومة محلية.

وأعطى ضمانات واسعة للحريات المدنية والدينية والشخصية، وأشار صراحة إلى الطوائف والإثنيات في سياق حقها في إقامة شعائرها الدينية.

كما نص على الربط بين الدين الإسلامي والسلطة، واستمر هذا الربط في جميع الدساتير السورية اللاحقة.