لكل السوريين

وارداتها السنوية 576 مليار ليرة.. إهمال 50 ألف هكتار من الأراضي غير المستثمرة في الرّقة؟

عانت الرّقة، كغيرها من المدن خلال السنوات الماضية حالة ضنك مرعبة، نتيجة عامل الجفاف الذي أثّر، وبشكل مباشر، على واقع الزراعة التي يعتمد عليها أهل المنطقة، بصورة عامة، وعلى وجه التحقيق، الزراعة البعلية، كما كان لواقع ارتفاع سعر مادة المازوت دور سلبي حيال ذلك، ما أدى إلى إحجام الكثير من المزارعين عن زراعة المحاصيل الاستراتيجية التي يُعتمدُ عليها اعتماداً كلياً على الآبار الارتوازية بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة، وعدم تحقيق الريعية المادية المعروفة، بين الفلاحين.

والرّقة، بصورة عامة، يعتمدُ أغلب سكانها على الزراعة البعلية والمروية، ما انعكس هذا الواقع على أهالي المحافظة من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، على الرغم من توافر مصادر المياه التي يمكن في حال تم استغلالها واستثمارها بالصورة الأمثل، الإقلاع بواقع الفلاح وإنعاشه مادياً، وهذا لا يمكن له أن يكتمل إلّا من خلال التغلب على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، ومن خلال العمل على تنمية المنطقة الشرقية، ككل، بالعمل على إقامة مشاريع استصلاح واسعة في مناطق المحافظة التي لم تصلها تلك المشاريع، ومنها: سهول الجرنية، ومناطق الرّصافة، وعين عيسى، والسبخة، والكرامة، وهي مناطق ذات مساحات واسعة وصالحة للزراعة، في الوقت الذي يُعاني سكانها من الفقر المدقع،  كما تتالت حالات الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة، التي شكلت حالة من الاستغراب لدى غالبية الأفراد.

الحد من طابع الهجرة

إنَّ العمل على استصلاح المساحات الشاسعة من الأراضي في هذه المناطق والتي تتجاوز أكثر من 50 ألف هكتار، يمكنها أن تحد من طابع الهجرة، سواء الداخلية منها أو الخارجية بحثاً عن الرزق، ما أدَّى بدوره إلى اكتظاظ المدن بالسكان، وانتشار السكن العشوائي، وانعكاس ذلك على البيئة العامة لمراكز المحافظات، وتزايد مناطق المخالفات التي تُحاول فيها الجهات المسؤولة بقطاعاتها المختلفة القضاء عليها لما لها من أثر سيء في الحياة المعاشة.

وفي المقابل، نجد أنَّ استقرار الكثير من الأسر في قراها، وأراضيها الزراعية بات ينعكس إيجاباً على واقع الإنتاج الزراعي، وزيادة المردود في وحدة المساحة، ناهيك عن السيطرة على تفشي ظاهرة البطالة في المجتمع، وارتفاع نسبة الجريمة، وكذلك الحد من ازدياد نسبة المتسربين من المدارس، وترك الكثير من التلاميذ للدراسة في سنّ مبكرة، وبصورة خاصة بين الفتيات بسبب حالة الفقر، والهجرة إلى أماكن لا مدارس فيها، ما يعني زيادة نسبة الأمية وارتفاع معدلاتها.

إنَّ حالات الفقر أدّت إلى نزوح الكثير من السكان، واضطرارها إلى بيع أراضيها، وبصورة خاصة في المناطق الشمالية الغربية القريبة من البحيرة وشمالها، في ظل عدم قيام مشاريع استصلاح، ما دفع بأصحاب الأموال، ومن فئات اجتماعية وشرائح مختلفة، إلى شراء الأراضي بأبخس الأثمان، وتشكيل حالة سكانية ذات بنية اجتماعية معينة قد لا تنسجم مع البنية الاجتماعية القائمة. إنَّ العمل على توسيع مشاريع الاستصلاح يعني تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي لأهالي المنطقة.

مشروع ري الرّصافة

يُعد مشروع ريّ الرّصافة من أهم المشاريع التي يمكن التركيز على استصلاحها، وقادرة أن تشكل في الوقت نفسه العمود الفقري في الاقتصاد الوطني، وتحقيق جانب اجتماعي مهم لأهالي المحافظة.

فمشروع ري الرصافة الذي يقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات، ويقع بعد سد الفرات بمسافة 40 كم من مركز مدينة الرّقة.. حيث يهدف المشروع إلى إرواء مساحة تصل إلى 51 ألف هكتار.

وسبق أن قامت المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي بإجراء الدراسات الأولية للتربة، وتحديد مدى ملاءمتها لأعمال الزراعة، وأكدت من خلال دراساتها، أنه يمكن الاستفادة من 30% من المساحة، وفي هذا الإطار قامت المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي بدراسة المخططات التنفيذية لمساحة 3800 هكتار كمرحلة أولى من المشروع، لا سيما أنَّ الرّصافة تعد منطقة سياحية بالدرجة الأولى، وذات أهمية تاريخية في الاستقرار الاجتماعي الذي عاشته المنطقة، وللتغلب على الجفاف الذي يسيطر عليها، والحد من الهجرة السكانية الكبيرة إلى العاصمة والمدن الأخرى، وبما أنَّ المخططات التنفيذية لأعمال المشروع جاهزة، فهو يحتاج إلى قرار المباشرة والبدء بالتنفيذ لأهميته الاقتصادية والاجتماعية، بالنسبة لأهالي المنطقة، وإن هذا المشروع في حال الانتهاء منه فانّه يحقق ريعية اقتصادية تقدر بـ: 170 ألف ليرة للأسرة الواحدة، كم ويسهم في توطين ما يزيد عن الـ 4000 نسمة.

سهول الجرنية

تبلغ المساحة الكلية لمشروع الجرنية المطل على الضفة الشرقية للبحيرة نحو 26874 ألف هكتار، وهذه المساحة تدخل ضمن منطقة عمل المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي.

المشروع يستهدف ثلاث مناطق تضمّ عدداً كبيراً من القرى تزيد عن الـ 20 قرية يصل عدد سكانها حوالي 25 ألف نسمة، وتبين الدراسة الاستكشافية التي قامت بها المؤسسة، أنَّ هناك مساحات قابلة للري، وهي موزّعة على: سهول الجرنية الشمالية ومساحتها ألف هكتار، وسهول الجرنية الجنوبية 13 ألف هكتار، فيما تبلغ مساحة المحمودلي6 آلاف هكتار، وإنَّ 20% من الجزء المروي من هذه المساحة يروى بالضخ من البحيرة، وقد عزف معظم المزارعون عن الزراعة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وسنين الجفاف المتواصلة.

وقد سبق وإن كلفت وزارة الري مؤسسة استصلاح الأراضي بالتعاقد على دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، فتبين أنه مجدي اقتصادياً ويمكن أن يحقق عائداً داخلياً يتجاوز 18%، كما يعتبر المشروع مجدي من الناحية المالية، بالإضافة للمنافع الاقتصادية والاجتماعية لأهالي المنطقة الذين هاجر معظمهم إلى المدن والبلدان المجاورة بحثاً عن لقمة العيش، واضطر البعض منهم إلى المباشرة في بيع أراضيهم، ما يؤدي ذلك إلى خلق نسيج اجتماعي جديد ستنعكس آثاره مستقبلاً على أهالي المنطقة ديمغرافياً.

وبالنظر لأهمية هذا المشروع اقتصادياً واجتماعياً، فهو يهدف بالتالي إلى توطين حوالي 25 ألف نسمة، وقادر على أن يدر دخلاً إجمالياً بنحو 11952000 مليون ليرة للأسرة الواحدة، فضلاً عن الحفاظ على النسيج الاجتماعي والديمغرافي للمنطقة. فضلاً عن مشروع ري 3 شرق الذي يقع على الضفة اليسرى للقناة الرئيسية في المنطقة الواقعة شمال شرق مدينة الرّقة، وبمسافة لا تزيد عن الـ 25 كم، ويقسم المشروع إلى مرحلتين:

ـ المرحلة الأولى إرواء ما مساحته 6 آلاف هكتار.

ـ المرحلة الثانية إرواء ما مساحته 8 آلاف هكتار.

ويهدف هذا المشروع إلى توطين واستقرار نحو 15 ألف نسمة ويدر دخلاً إجمالياً يقدر بـ 12240000 مليون ليرة للأسرة الواحدة. إنَّ تنفيذ هذا المشروع يحقّق ـ بالتالي ـ استقرار سكّاني واقتصادي لما ينوف عن الـ 15 ألف نسمة.

ضفاف نهر الجلاّب

يقع المشروع في منطقة تل أبيض 90 كم شمال الرقة، وقد أنجزت دراسة المشروع بصورة نهائية. إنَّ تنفيذ مشروع نهر الجلاّب يحقق توطين ما يزيد عن 6 آلاف نسمة وقادر على أن يحقق ريعية اقتصادية تقدر بـ 12960000 مليون ليرة سورية للأسرة.

ولتحقيق الاستقرار الاجتماعي والتنمية الشاملة نأمل أن تأخذ هذه المشاريع سلم أولويات الاستصلاح في المنطقة، وأن يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لا سيما رصد الاعتمادات المالية للمباشرة بتنفيذ هذه المشاريع.

إنَّ تنفيذ مجمل هذه المشاريع بحدود 50 ألف هكتار، ما ينعكس بصورة مباشرة على شريحة واسعة من المواطنين المقيمين في هذه المناطق والذي يقدر عددهم بـ 50 ألف نسمة، ما يعني انتعاش الهجرة العكسية إلى حيث مواقع المشاريع لعدد كبير منهم.

ووفقاً للأنظمة المعمول بها، تستفيد كل أسرة ما مساحته 3 هكتار، بما معناه أنَّ عدد الأسر المستفيدة في حال تم تقسيم المساحة الإجمالية على المساحة المخصصة، فإن عدد الأسر المستفيدة 16667 ألف أسرة.

إنَّ استثمار هذه المشاريع يساعد على قيام مشاريع حيوية (صوامع حبوب، محالج أقطان)، كما يساعد على تنشيط العمل التجاري، والمكننة الزراعية، وتشغيل عدد كبير من العمالة والفنيين والمهندسين، وبصورة خاصة المهندسين الزراعيين، أضف إلى ذلك أنَّ استثمار هذه المشاريع، بالتأكيد: يحقق عائد سنوي يقدر بأكثر من 125 ألف طن من القطن، و150 ألف طن من القمح.

جدوى اقتصادية رابحة

إنَّ إجمالي المساحة التقريبية لتنفيذ مشاريع الرَّصافة، الجرنية، القسم 3 شرق، والجلاّب تقدر بنحو 50 ألف هكتار، وأنَّ الكلفة التقديرية لتنفيذ هذه المشاريع يبلغ نحو 1296مليار ليرة سورية، وهي بدورها قادرة على تأمين فرص عمل لـ 16667 ألف أسرة، وتأمين دخل لـ 100 ألف نسمة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لأهالي المنطقة، علاوة على أنها قادرة على تحقيق إيرادات من مادة القمح والقطن لوحدها، وبحسب الأسعار المحلية الرائجة، نحو 576 مليار ليرة سورية سنوياً.

بقي أن نشير إلى أنَّ مجمل المساحات التي أنجز استصلاحها، وأدخلت في الاستثمار الزراعي، فيما يخص مشاريع حوض الفرات لوحدها، وصلت إلى 216614 ألف هكتار، ناهيك عن المساحات التي لا زالت قيد التنفيذ والدراسة أو حتى التعاقد.

نفهم من هذا الكلام، أن أهم الأسس التي يتم الاعتماد عليها في تحديد أولويات الاستصلاح، قرب الأراضي من مصادر المياه، والري بالراحة، وتجنب الضخ العالي الذي يضاعف من تكاليف الاستصلاح والاستثمار، والجدوى الاقتصادية لها.. وهذا يعني أنَّ المشاريع الأربعة التي وقفنا عندها تأتي في سلم الأولويات في الوقت الحالي بالنسبة لأهالي المنطقة التي يمكن الاستفادة منها، في حال استثمارها بالشكل الأمثل، ما يعني أنه ستحقق في النهاية نتائج مثمرة.

عبد الكريم البليخ