حماة/ جمانة الخالد
تشهد مدينة حماة، وخاصة في ريفها الغربي بمدينة مصياف، أزمة حادة في تربية النحل نتيجة الجفاف المتواصل وارتفاع درجات الحرارة، ما أدى إلى تراجع إنتاج العسل بشكل ملحوظ. فبعد أن كانت سوريا تنتج أكثر من 4000 طن من العسل سنوياً، انخفض الإنتاج اليوم إلى أقل من النصف، في مؤشر صارخ على تدهور البيئة والزراعة بعد سنوات من الجفاف والنزاع.
في مدينة مصياف، يروي أحد مربي النحل الستيني معاناته أمام خلية فارغة تقريباً، حيث كان ينتج في السابق 15 كيلوغراماً من العسل في الموسم الواحد، بينما لا تتجاوز كميات الإنتاج حالياً ثلاثة كيلوغرامات بسبب ندرة الأزهار. وأوضح أن الأعشاب الجافة حلت محل حقول اليانسون والكمون التي كانت تزهر سابقاً وتوفر الغذاء للنحل.
ومع تقلص الإنتاج، تواجه تربية النحل مخاطر جديدة؛ ففي منطقة سهل الغاب يشكو مربي نحل في الثلاثينيات من عمره من غزو طيور الوروار لخلاياه، التي تأكل أعداداً كبيرة من النحل يومياً، مما يزيد الخسائر التي يعاني منها مربو النحل.
في ريف مصياف أيضاً، ضرب صقيع الربيع المبكر زهور الحمضيات قبل أن يتمكن النحل من جمع رحيقها، ما أفقد النحالين مورداً غذائياً رئيسياً، بينما توقفت ملكات النحل عن وضع البيض بسبب نقص الغذاء، حسب ما أكدت مربية نحل تعيل أسرتها من هذا النشاط.
وتفاقم الوضع انتشار المبيدات الزراعية غير المدروسة، حيث شهد ريف حماة الجنوبي خسارة مئات الخلايا دفعة واحدة بعد رش حقول مجاورة بمبيدات قوية، إذ يحمل النحل السم إلى خلاياه ما يؤدي إلى موت جماعي لا يمكن منعه.
في مواجهة هذه التحديات، يسعى بعض المربين إلى التكيف من خلال مبادرات مثل تحويل الأراضي إلى “مطاعم للنحل” بزراعة نباتات مقاومة للجفاف كالزعتر والخشخاش، أو نقل خلاياهم لمسافات بعيدة بحثاً عن مراعي زهرية، رغم ارتفاع تكلفة الوقود التي تعيق هذه الجهود.
على المستوى الرسمي، تبرز دعوات لإنشاء “محميات نحلية” في الأراضي الحكومية، وإعادة تفعيل برامج تربية النحل السوري الأصيل الذي يتحمل الظروف القاسية، إضافة إلى تشجيع زراعة النباتات الطبية والعطرية كبديل عن المحاصيل التقليدية التي تعاني من شح المياه.
رغم الصعوبات، يحافظ العسل السوري على سمعته الجيدة في الأسواق المحلية، إلا أن ارتفاع أسعاره جعله سلعة ترفيهية، حيث بات المشترون يشترون العسل بالكيلوغرامات المنخفضة بدلاً من الكميات الكبيرة كما في السابق.
ويؤكد مربو النحل أن مستقبل هذا القطاع الحيوي مرتبط بشكل وثيق بمستقبل الزراعة السورية وقدرة البلاد على مواجهة التغيرات المناخية وتأمين بيئة صحية للنحل، فكما يقول أحد المربين القدامى: “إذا اختفى النحل، ستختفي معه ألوان وأطعمة لن تعود أبداً”.