لكل السوريين

بعد تعرّضها لعصابات مجهولة وقتل رُعاتها.. هل نعيد لـ غنم “العَواس” الحياة من جديد؟

الأغنام المصدرة تجاوزت  2 مليون رأس وقيمتها تزيد عن الـ 300 مليون دولار سنوياً

الأسباب الرئيسية لتدهور أغنام العواس تراجع الاقبال على الزراعة، ندرة المراعي، الذبح العشوائي، كثرة التهريب وتخريب الآبار الارتوازية!

ما بات يُعرف بـ “الذهب الحي” مؤخراً أفل بريقه وللأسف، وهو غنم “العواس” الذي تجود به البادية السورية بصورة عامة، كما هو حال ما كان يُسمى بالذهب الأصفر “القمح”، أو ما يُعرف بالذهب “الأبيض” القطن الذي يُعدّ من المحاصيل الاستراتيجية الرئيسة السورية التي يقبل على زراعتها فلاحنا النشيط في أغلب المحافظات السورية التي يقطنها، وعلى وجه التحقيق، في محافظات الحسكة حلب دير الزور والرّقة.

وإذا ما حاولنا الوقوف على واقع هذه الثروة الحيوانية المهمّة، والنتائج التي آلت إليها بعد أن تعرّضت للكثير من الصعاب والاهمال والأحداث المؤسفة التي تأزّمت في ظلها، ونالت نصيبها من التخريب وقتل وسرقة الكثير منها، وفي مقدمة ذلك الرعاة  القائمين عليها الذين يعود إليهم المهمة الرئيسة في الحفاظ على هذا المصدر الغذائي والاقتصادي المهم في سوريا، ولا ننسى في المقابل دور الارهاب المتمثل بعصابات “داعش” الارهابية، والطعنات التي واجهته وعانت منه ما أفقدها بالتالي بريقها ولمعانه ووهجها ومكانتها، في الوقت الذي يعرفُ فيه الجميع إنّ أهمية غنم العواس توازي ـ إن لم تتفوق ـ على النفط وأهميته في سوريا.

في العام 2010، أي قبل اندلاع شرارة الثورة السورية وصل عدد الأغنام إلى ما يزيد عن الـ 15 مليون و500 رأس من الأغنام حسب احصائيات وزارة الزراعة، في الوقت الذي تراجعت فيه أعدادها في الوقت الحالي إلى النصف تقريباً، أي أن حوالي 40% وأكثر من الأغنام بدأ بالتناقص تدريجياً للكثير من الأسباب، ومن أهمها، وفي مقدمتها هجرة الأهالي تربيتها،  ونزوح الأغلبية منهم إلى أماكن بعيدة، والتخلص منها وتركها عرضة للتعديات، ففضل العديد من العاملين فيها والملاك من الالتحاق بأقارب لهم والسفر إلى خارج القطر نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة، والفقر المدقع الذي عانى ولا زال يعاني منه الأهالي، والعزوف عن الاهتمام بها والتخلي عن تربيتها كما كان معمول به في ما مضى، فضلاً عن الذبح العشوائي الذي طال قسم كبير منها، وتعرضت له أعداد هائلة من هذه الثروة العملاقة التي لا يمكن لها أن تعوّض. وهذا ما أدّى إلى التناقص في أعدادها في الرّقة يوماً اثر يوم بسبب تزايد الذبح العشوائي الذي ما زالت تعاني منه في ظلّ غياب الرقابة التموينية والصحية!

اليوم، نحن على أبواب الإفلاس الحقيقي بسبب الهدر غير المعقول الذي صارت تُعاني منه أغنام هذه الثروة التي تتناقص يومياً، وبأعدادٍ كبيرة، وبصورةٍ خاصة الإناث منها.

معظم الذبح يتمّ في سوق المواشي، بين أكوام من القمامة، لتترك بقايا الكروش، والمصارين، والعظام في مكانها، ناهيك بتعرض هذه اللحوم نفسها إلى الغبار والأوساخ.

أما ظاهرة ذبح الإناث، فحدّث ولا حرج، لا سيما أنَّها صارت تتعدى حدود المعقول، إذ يتمّ يومياً ذبح أعدادِ كبيرة منها بعضها داخل المسلخ، والبعض الآخر خارجه، وما أكثرها، وهذا الحال يستمر بصورة دائمة سواء أكان ذلك أثناء فترة المنع أم بعده!

وأنَّ هناك أعداداً من هذه الأغنام تُذبح وتُعلّق في محلات القصابة، بشكلٍ علني، إضافةً إلى وجود معاليق غير كاملة، والسبب إصابتها بأكياس مائية، غالباً ما يدفع المواطنون الفقراء ثمنها، فالإصابات بهذه الأكياس الممرضة بات منتشراً في المحافظة، هو سؤال نضعه بين أيدي الرقابتين الصحية والتموينية، دون أن ننسى السؤال الأهم: من يُنقذ ثروتنا الحيوانية من الذبح العشوائي الذي يِطولها يومياً؟.

اليوم، نحن على أبواب الإفلاس الحقيقي بسبب الهدر غير المعقول الذي صارت تُعاني منه أغنام هذه الثروة التي تتناقص يومياً، وبأعدادٍ كبيرة، وبصورةٍ خاصة الإناث منها.

ومن بين الأسباب الرئيسية لتدهور حال أغنام العواس تراجع الاقبال على الزراعة، وندرة  المراعي وكثرة التهريب، أضف إلى  تخريب الآبار الارتوازية التي يعتمد عليها الأهالي في سقاية الأغنام في البادية بصورة عامة، والأهم من هذا وذاك سرقة مراكز البحوث العلمية الزراعية المتخصصة في تطوير وتحسين الأغنام، ناهيك بتدهور المحميات الرعوية وسرقة الآليات التي تخدّم القطعان في البادية على وجه التحقيق، وغياب اليد العاملة التي تهتم بها وترعاها، اليد الخبيرة التي كانت تشرف عليها، بالإضافة إلى غياب الخدمات البيطرية والأدوية التي تحتاجها، والتي كانت تقدم في الأماكن الآمنة وغيرها، ولا ننسى في المقابل هدر الأموال العامة نتيجة تهريب أعداد منها، أضف وهذا الأهم معضلة تصدير الأغنام إلى خارج القطر، وبأعداد كبيرة قياساً بالسنوات التي سبقت عمر الثورة.. حيث بلغت الأغنام المصدرة إلى نحو 2 مليون رأس ووصلت قيمتها الاجمالية ما يزيد عن الـ 300 مليون دولار سنوياً. واحتلت سوريا المرتبة الخامسة عالمياً في تصدير قطعان الأغنام بعد كل من استراليا، السودان، رومانيا، هنغاريا، وهذا ما بات يعرف بالأغنام السورية السورية بـ “الذهب الحي” وهذه حقيقة قائمة لا أحد ينكرها، لا سيما أن غنم العواس السورية، والكل يعلم تختلف في طعم لحومها عن باقي لحوم الأغنام في العالم، وتتكيف على العيش مع البدو الرحل، وعلى العيش مع الريفيين في الرحيل أيضاً، كما تستطيع المشي لمسافات طويلة للرعي، ولها القدرة على تحمّل درجات الحرارة الشديدة، وتتحمّل المواسم القاحلة من خلال استهلاك الدهن المخزّن في الذيل، “الإلية”، وقدرتها على التكاثر ورعاية حملانها. فنعاجها توفر الحليب حتى في أصعب ظروف التغذية، والأغنام النعيمية هي نوع محسَّن من أغنام العواس، والمعروف عن أغنام العواس التي تنتشر في كل من سورية ولبنان وفلسطين والأردن والعراق، فهي تتميز بجسمها النشط، فيزن الرأس الواحد منها بين 40 ـ 50 كغ، كما يزن الذكر منها من 70 ـ 80 كغ.

وفي محافظة الرّقة فإن أعداد الثروة الحيوانية تراجعت بصورة عامة إلى النصف بسبب الجفاف الذي تعرضت له المنطقة، وارتفاع أسعار المواد العلفية في السوق السوداء، وسرقة كميات منها من قبل العاملين في بعض المؤسسات الحكومية وآخرها تعرض له فرع مؤسسة الأعلاف في حمص إلى نقص في المستودع إذ بلغ 900 طن من المواد العلفية، بالإضافة إلى كميات من الشعير، وجاهز حلوب، وقدرت قيمة المواد العلفية المسروقة بنحو 800 ألف دولار، أي ما يعادل 2 مليار ليرة سورية، بما يعادل 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي لوسط البلاد.

إنَّ هذه الكمية الكبيرة هزّت الاقتصاد السورية، وتهدد الانتاج المحلي للثرة الحيوانية التي تحتاج إلى هذه الكمية من المواد العلفية.. في حين أن سعر الكلغ غرام الواحد من المادة العلفية في السوق المحلية وصلت إلى 2000 ليرة سورية، أي ضعف سعر القمح، كما تعرضت الثروة الحيوانية إلى عصابات داعش الارهابية بإطلاق الرصاص وبدم بارد، على رعاة الأغنام في البادية السورية، والقصد من كل ذلك هو إبعاد مربي الثروة الحيوانية وعدم الاهتمام بها بشتى الطرق، وترهيبهم وهذا ما حدث بالفعل للكثيرين منهم الذي هجروا في ما بعد هذا العمل الذي جبلوا عليه منذ صباهم، ولا يعرفون شيء سواه، مما دفعهم مرغمين على تركه وهجره مجبرين!.

ومن أهم المشاكل التي تعرضت لها الثرة الحيوانية، هو ذبح الاناث منها بدلاً من الخراف الذكور المفضلة للتصدير خارج القطر، وأسعارها تزيد عن الاناث من 30 ـ 40% ما يعني تهريب أعداد كبيرة منها وبيعها بأسعار مرتفعة.. وفي الوقت الراهن فإن أعداد الأغنام في الرّقة تراجع بشكل مرعب، حيث وصل أعدادها إلى حوالي 450 ألف رأس بعد أن تجاوزت المليوني  و60 ألف رأس.

ولعودة الحياة من جديد إلى تلك الثروة الذهبية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وللحيلولة دون نقصانها وتعرضها للانقراض فلا بد من اعادة الحياة بالبنية التحتية للمراعي والمحميات الرعوية، ودعم مربي الثروة الحيوانية وتأمين الأعلاف ومراكز الخدمات البيطرية للإقلاع بها والعودة بها من جديد إلى ما كانت عليه قبل اندلاع شرارة الثورة. فهل نعيد لغنم العواس صخب أجراسها وحيوتها ومكانتها والاقبال عليها من قبل المستهلكين للحومها على الساحة السورية من جديد بالقضاء على الأيدي التي عبثت بهذا الذهب الحي.

تظل دعوتنا مشروعة للحفاظ على هذه الثروة الاقتصادية الأهم في حياتنا، والتي تعد داعماً حقيقياً للاقتصاد الوطني ولأهميتها في حياة الناس، ولتوافر الأيدي العاملة الخبيرة التي تعرف كيف تعرف الحفاظ عليها وترعاها وتتعامل معها برغم كل الظروف المتاحة، وعلى أن تعمل الحكومة جاهدة على حمايتها ورعايتها، وتذليل المعوقات، وما أكثرها، التي تقف حجر عثرة في طريقها.

عبد الكريم البليخ