لكل السوريين

عن العتابا وتوزعها الجغرافي

تقرير/ جمانة خالد  

العتابا، فن من الفنون الغنائية الشعبية اشتهر بصورة أساسية في أرياف وبوادي بلاد الشام (سوريا، لبنان، فلسطين)، وفي جزء من العراق المحاذي للديار الشامية حيث تسمى العتابا في العراق (الأبوذيّة). وهناك فروقٌ في صياغة العتابا بين العراق والشام، وفي الحالتين لها أساليبها وأصولها التي لا تتاح لأي مؤلّفٍ شعبيّ سواء كتابةً أم ارتجالاً.

وقد اشتهرت العتابا بمصاحبتها لآلة (الربابة) في سوريا أكثر من غيرها، والعتابا اصطلاح فني يطلق تحديداً على مقطع غنائي يغنّيه فرد واحد، مقطع مؤلف من أربعة شطرات تتجانس الثلاثة الأولى منها من خلال الجناس نفسه، وتتحرر الشطرة الأخيرة من الجناس فتأتي مستقلة.

والعتابا جميعها تكون على البحر الوافر (مفاعلَتن – مفاعلَتن – فعولن)، ولكن التفعيلة الأخيرة (فعولن) لا تأتي كاملة دائماً في الشطرة الرابعة المستقلة، وذلك عندما تكون هذه الشطرة منتهية بياء ساكنة أو ألف، وعندها تكون التفعيلة (فعو).

وقد يكون مغني الربابة مع العتابا يعوض هذا السبب المحذوف (/ هـ) من التفعيلة بأن يمدّ الحرف الأخير عدة حركات تنوب مناب ما تم حذفه.

تنتشر في مناطق الداخل أو المنطقة الوسطى، فأشهر أنواعها عتابا أهل (السلمية)، ويقال إن العتابا السلمونية تعود إلى أيام (السومريين).

وهناك كذلك العتابا التي يرددها أهل ريف حمص، ومن عتابا أهل السلمية اشتهر بغنائها (صادق حديد – محمد صادق حديد – حمادي الصالح).

أما العتابا القريبة من الساحل فنظراً لسهولة لفظها وليونة ألفاظها ورشاقة مواضيعها فقد عرفت كثيراً في الأغنيات، والحواريات، كما في الغناء الجبلي، فكانت جزءاً يأتي إما في مطلع الأغنية أو في سياقها وهكذا غنتها (فيروز – وديع الصافي – نصري شمس الدين – صباح – مروان محفوض وأميرة).

ويلاحظ أن العتابا لدى هؤلاء متخفّفة من شروطها الصارمة في أنواع العتابا الشرقية، حتَّى إنه قد يتم الإطاحة الكاملة بالجناس التام، أو شرط قافية الشطرة الأخيرة.

هذا وللعتابا أنواع مختلفة تتوزع باعتبارات المنطقة والبيئة الجغرافية التي تنتشر فيها، ففي البيئة البدوية للجزيرة بين الفرات وبادية العراق تسود العتابا الشرقية بلفظها وأدائها البدويين المحض، ومثلها العتابا الواردة من العراق تسمى (العراقية).

ويتفرع عن ذلك العتابا (الجَبورية) نسبة إلى (الجَبور) وهي من القبائل الشهيرة في العراق، وبعكس العتابا الشرقية تسود في المناطق القريبة من الساحل الشامي واللبناني، عتابا من نوع أسهل وأوضح (الغربية).

وهناك فروق في طريقة استخدام اللغة، ففي حين تشترك العتابا مع الموال في مسألة الجناس الكامل، فإنها تختلف عنه على أنه يضيف على الكلمة حروفاً أو يدمج كلمتين معاً، أو يحذف حروفاً وذلك لتحقيق شرط الجناس.

لكن اللونين يشتركان في صعوبة أسلوب الجناس، فباستثناء العتابا (اللبنانية) فإن العتابا مع البغدادي يحتاجان إلى ثروة لغوية معجمية واسعة، وقاعدة في معرفة الفروق بين المفردات والمترادفات، وإحساس بالمعاني المختلفة للكلمة الواحدة.

ويشترك اللونان في موضوع كيفية تأديتهما، إذ يؤدي المغني أو المنشد الموال أو العتابا بشكل يسبق الأغنية أو بشكل منفرد، وقد تتناوب مجموعة مغنين على أداء مجموعة مواويل وعتابات.

ولكن هذا كما يبدو غير شائع، يبقى إذاً على الواقع، أن الموال البغدادي الذي يسمى (السبعاوي) سباعي الأشطر له تقنية معقدة في بناء قوافي شطراته أكثر من تقنية العتابا.

فالعتابا حتَّى لو أصبحت سداسية الأشطر فإن أشطرها جميعاً يحكمها جناس واحد، أما في السبعاوي فيحكمه جناسان ثم عودة إلى الجناس الأول، ولا نغفل أن الإتيان بجناسات عديدة في العتابا السداسية (المفترضة) يحمل هو الآخر صعوبة فنية ودقة في معرفة أكبر بمعاني الألفاظ.