لكل السوريين

“المهن التراثية” بين أصالة الماضي وبوتقة الحاضر

تقرير/ أحمد سلامة  

تتميز مناطق الجزيرة السورية بالصناعات التقليدية التراثية، وتعد مدينة الرقة من تلك المنطقة حيث تنتشر فيها صناعة “النحاس والفورات والصناعات الدوائية بالأعشاب”، وأقدم سوق في المدينة يقع في منطقة القوتلي، حيث تتركز معظم الصناعات في هذا السوق الشعبي.

صحيفتنا قامت بجولة داخل السوق القديم، والتقت بأحد التجار في شارع القواتلي، الذي قال “إن تاريخ هذا السوق يعود لعام /1930/، حيث كان مبني من الطين، ولم يكن فيه سوى ثلاثة محلات منتشرة.

وعن الصناعات التراثية، التقت صحيفتنا بصاحب ورشة خياطة ألبسة شتوية قديمة، يدعى أبو محمد الحموي، الذي يقول “للفروات الشتوية القديمة بالثمانينات وتعد من تراث الرقة القديم”.

ويضيف “صناعة الفروات تكون من صوف وجلد الغنم، وتمر بمراحل عدة، بعد سلخ الجلد يقوم بغسله من الدماء ويقوم بتشريبه الملح ويتركه حتى يصبح يابس بعد الغسل، من ثمة نقوم ببشره، ونضع له قماش، وتسمى هذه العملية “الدباغة” وبعدها يبقى الجلد لفترة حيث ينشف ويصبح جاهز للعمل به”.

ويتابع “قديما كان العمل بشكل يدوي، حيث يضع الخياط بإصبعه أداة تسمى الكشتبان لتساعده للخياطة لمدة أطول، كونه يعمل لفترة طويلة، آما في الآونة الأخيرة فقد أصبح العمل على مكينات الخياطة”.

وعن الأسعار يوضح “هناك أسعار مختلفة تبعا لنوع الجلد المصنوعة منه، فكلما كان وزنه أخف ارتفع سعرها، وخفة الوزن فقد تصل سعر الفروة إلى 500 دولار، وهي تسمى بالطلياني، وهي مصنوعة من صغير الغنم وتكون ناعمة وتسمى أم الكيلو نظرا لخف وزنه”.

عبق التاريخ في الصناعات النحاسية

أما عن صناعة النحاس فهي تحتل مكانة مرموقة في الحرف التراثية اليدوية، حيث برع فيها الحرفيون من مئات السنين، وصنعوا العديد من المنتجات والتحف الفنية كـ “الأباريق والدلال والمصبات” التي توارثتها الأجيال من جيل إلى جيل.

وترمز إلى المكانة التي يصل إليها الشخص الذي يغتنيها، فنجد أن البيوت والمضافات لا تخلو من “دلة القهوة”، وهي كما أسلفنا رمز للكرم والعزة، حيث يسقى بها ووجهاء القبائل والشيوخ “القهوة المرة” وتصنع دلة القهوة من النحاس الخالص.

وبهذا الصدد أفادنا جابر أبو النور، وهو صاحب ورشة نحاسيات في المدينة، أن “آلية عمل الأدوات النحاسية تكمن في نوعان، وهما أصفر وأحمر”.

وعن آلية الصناعة يوضح “أولا ننظف القطعة النحاسية حتى نتخلص من الزوايا، وبعدها يتم تسخينها على النار ليتمكن من تشكيلها، وبعدها يقوم بتشكيل العنق لها عن طريق المكبس وتثبيتها عن طريق اللحام”.

ويكمل “بعدها توضع في الأسيد، حيث تقوم هذه المادة بإزالة الأوساخ منها أثناء اللحام، ومن ثم توضع بداخله قصدير، ويتم مسحه عن طريق القطن من داخلها، لأن القصدير هو صحي للاستعمال أكثر من النحاس، بعدها يتم تشكيل وزخرفة دلة القهوة والرسم عليها”.    

عائشة العبد، من سكان مزرعة الرافقة بريف الرقة، تقول “لا أزال حتى اللحظة أحافظ على الأدوات النحاسية، اعتبرها بمثابة إرث حضاري ولها مكانة كبيرة ولا يمكننا الاستغناء عنها، وسأقوم بتوريها لأبنائي”.

والجدير بالذكر أن هذه الصناعات تراجعت بشكل ملحوظ بسبب سنوات الحرب وارتفاع التكاليف التي كانت تستعمل في صناعتها وقلة الاستهلاك وضعف الإقبال على هذه المنتجات الصناعية التراثية.