لكل السوريين

“الرقة” السورية تقفو على وسادة الفرات

الماضي التليد يحكي قصة الأسلاف وعظمة أفعالهم وما وصلوا إليه، ونحن اليوم نرى هذا، ونقرأ فيما تركوا من آثار، وهذا الماضي الرقي هو بالنسبة لنا متكأ ومستنداً ننبش فيه عن ذاتنا وهويتنا السورية لنقيم عليها الصروح العظيمة، والحضارة الإنسانية في مجملها تدين إلى تلك الخطوات التي بدأها السلف، وهو يقدح زناد أفكاره ويقوم بنحت الحضارة.

ذلك أن روائز تقدم الأمم وتحضرها إنما تقاس من خلال الاسهامات والعطاءات المقدمة للإنسانية، والرقة ذات التاريخ العريق هي درة الفرات، ومهد الحضارات، وملتقى الطرق التجارية القديمة، وملتقى الأنهار والثقافات، إنها صفحة مجد مشرقة كتبتها الشعوب التي عاشت وترعرعت على أديمها، وكما “الفرات” العظيم جذبت ضفافه في الماضي أقدم الجماعات البشرية، هي اليوم كذلك بوصلة جذب للمجموعات البشرية المختلفة.

و”الرقة” منذ نشأتها واكبت إيقاع الحضارة الإنسانية، وكان لها دور الريادة ومكان الصدارة في محراب التاريخ المقدس، فعلى أرضها نبتت البذرة الحضارية الأولى عندما شيد الإنسان أول بيت مدني يُسكن في التاريخ قاطبة، على ضفاف نهر الفرات في تل” المريبط”، على الضفة الشرقية لهذا النهر  على بعد/100/كم غرب مدينة الرقة، فكانت نقطة الانطلاق لأول استيطان بشري منذ الألف العاشر قبل الميلاد، وتتابعت الحواضر من موقع أبي هريرة، وتل زيدان، إلى تل الخويرة، وتل صبي الأبيض، وتل حمام التركمان إلى حاضرة توتول التي تَفَتَّحَ عن متبقياتها صدر تل البيعة وهو يقول أن الرقة كانت ترقد هنا ولم يتوقف المد الحضاري والعطاء الإنساني، فكانت الرصافة ، ورقات كثيرة،  بل استمر تدفقه في بحر الإنسانية الزاخر ينشر عطاءه المتجذر في آفاق البشرية.

والدارس لتاريخ الرقة وتطورها عبر العصور، يقف مدهوشاً امام الاسهامات العظيمة، التي قدمتها “الرقة” في مجال إغناء الحضارة الإنسانية وتطوير معارفها وتوظيفها لصالح تطور المجتمعات الانسانية، حيث عاشت على أرض “الرقة” مكونات بشرية متعددة الأعراق، رسخت العيش المشترك على أساس المحبة والسمو الحضاري، والمكونات التي عاشت وما زالت تعيش على أرض “الرقة” هي كثيرة، ودور هذا التنوع ساهم في التطور والتنمية.

واليوم “الرقة” السورية القافية على وسادة الفرات تنهض من كبوتها وصهيلها يُسمع في كل الأصقاع السورية، وهي الآن خاصة بعد تحريرها تستشرف مستقبلا واعداً مستنداً على تراث مجيد، فهي كما قلنا درة الفرات، ومهد الحضارات وستجدد المجد بهمة إنسانها الرقي العظيم، الذي سيمنحها ويهبها قوته وعطاؤه ويزيد من روعتها وبهائها ثباتها في معترك الحياة وأمام النائبات، وسيزهر زهر الرمان في أعلى الرقتين.