لكل السوريين

التهريب يهدد اقتصاد لبنان.. والمعابر غير الشرعية تمنع عنه المساعدات

ظاهرة التهريب المتبادل بين سوريا ولبنان ليست جديدة بين الدولتين اللتين تكثر بينهما المعابر غير الشرعية، بل هي مشكلة مزمنة تعود جذورها لسبعينيات القرن الماضي، حيث كان يتم تهريب متبادل لأنواع كثيرة من السلع، وهو ما أثر سلباً على اقتصاد البلدين، وخاصة الاقتصاد اللبناني، دون أن تتمكن السلطات اللبنانية المتعاقبة من وضع حد لهذه الظاهرة التي تنمو في مراحل معينة وتتراجع في مراحل أخرى.

ولكن هذه الظاهرة أخذت أبعاداً جديدة وخطيرة، وتشعبت هذه الأبعاد وتفاقمت خطورتها، مع اندلاع الحرب في سوريا، حيث زادت عمليات التهريب بنسبة كبيرة نظراً لحاجة التجار السوريين إلى تصريف إنتاجهم بعد أن أغلقت أسواق عربية ودولية عديدة أبوابها أمام البضائع السورية بسبب الحرب.

ولم يجد هؤلاء التجار أمامهم غير السوق اللبنانية القريبة لتصريف هذه المنتجات، مستفيدين من عدم قدرة السلطات اللبنانية على ضبط حدودها البرية مع سوريا، وضعف محاولاتها في مكافحة التهريب.

ومع دخول لبنان بأسوأ أزمة اقتصادية يمر بها في تاريخه الحديث، صارت هذه الظاهرة تهدد اقتصاده، وتساهم في عجزه المالي، وصارت السلع الزراعية السورية المنافسة للإنتاج اللبناني تغرق السوق اللبنانية، لدرجة دفعت رئيس تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع اللبناني إلى القول “أي سلعة أو منتج زراعي في السوق اللبناني سعره منخفض معناه حكماً أنها وصلت من سوريا”.

في حين يتم تهريب كميات هائلة من المازوت والبنزين وأسطوانات الغاز والطحين والأدوية من لبنان إلى سوريا.

تهريب بالمليارات

تشير التقديرات إلى أن قيمة البضائع المهربة من لبنان إلى سوريا تتجاوز عشرين مليار دولار خلال خمس سنوات، ومعظم هذه البضائع  يدعم مصرف لبنان المركزي استيرادها بنسبة 85 بالمئة على السعر الرسمي لصرف الدولار، ما يعني أن تهريب هذه المواد خارج الحدود يستنزف القدرة المالية للمصرف، كما يستنزف قدرة الدولة على توفير السلع الأساسية في السوق المحلية.

وخلال السنوات الماضية، أعلنت السلطات اللبنانية أكثر من مرة عن نيتها إقفال المعاير غير الشرعية على الحدود اللبنانية السورية دون جدوى، حيث بقيت قوافل شاحنات التهريب تعبر هذه المعابر بشكل شبه يومي دون متابعة أو مراقبة تذكر.

وتشير المعلومات إلى أن معظم تلك المعابر تقع في مناطق نفوذ حزب الله، من الناحية اللبنانية والسورية، وخاصة في منطقة القصير التي باتت امتداداً لـ “بعلبك- الهرمل”، حيث يقصدها اللبنانيون يومياً لشراء احتياجاتهم والاستفادة من فارق الأسعار.

تهريب الطحين

تحدثت تقارير إعلامية عن عشرات الأطنان من الطحين اللبناني تم تهريبها إلى سوريا التي تعاني من أزمة طحين كبيرة، وارتفاع أسعاره لتبلغ حوالي 320 دولاراً الطن الواحد، بينما سعر الطن الطحين المدعوم من قبل الدولة اللبنانية 150 دولاراً، ويغري هذا الفارق الكبير المهربين بتهريبه إلى سوريا، ويتسبب باستنزاف العملات الصعبة الشحيحة أصلاً في لبنان.

وحاول تجمع المطاحن في لبنان، الحد من تهريب الطحين، من خلال ضبط التجار الذين يعتمدهم، والتدقيق بكميات الطحين التي يحصلون عليها لمنع تهريب أي كمية منها إلى الخارج حرصاً منها على تأمين الطحين لجميع الأفران لصناعة الخبز والاستعمال المنزلي في البلدات اللبنانية.

ولكن هذه المحاولات الخجولة لم تتمكن من الوقوف بوجه مافيات التهريب التي تتمتع بسلطات واسعة، وعلاقات متشعبة مع بعض القوى اللبنانية، والأحزاب التي تشكل عائدات التهريب مصدراً رئيسياً لاستمرار وجودها ونشاطها.

تهريب المحروقات

تشكل فروق الأسعار الكبيرة بين أسعار المحروقات في سوريا ولبنان حالة إغراء كبيرة لتهريبها إلى سوريا، حيث يبلغ سعر صفيحة البنزين في لبنان 40 ألف ليرة لبنانية، بينما سعرها الرسمي في سوريا 140 ألف ليرة سورية، ويصل سعرها في السوق السوداء إلى 240 ألف ليرة.

والتفاوت بأسعار المازوت والغاز بين البلدين كبير أيضاً، وقريب من فروق أسعار البنزين.

كما تدفع الحاجة الكبيرة في السوق السوري للمحروقات المهربين اللبنانيين إلى تهريب هذه المواد إلى سوريا لتحقيق أرباح طائلة، مما أدى إلى حدوث أزمة وقود في لبنان، وارتفاع أسعارها تدريجياً، لدرجة غير مسبوقة، ودفع العديد من محطات الوقود لإغلاق أبوابها، بيمنا اعتمدت محطات أخرى سياسة التقنين في التوزيع على زبائنها.

وعلى الجانب السوري ينتظر السوريون وصول البنزين اللبناني، بدل الانتظار لساعات طويلة للحصول عليه من محطات الوقود السورية بسبب التقنين الذي فرضته الحكومة.

تهريب السيارات والمخدّرات

أشارت مصادر عسكرية لبنانية إلى أن معظم عمليات التهريب تتم من قبل عصابات تستخدم الطرق غير الشرعية في المناطق الحدودية، خصوصاً في بعلبك والهرمل في البقاع، حيث تنشط عمليات تهريب البضائع والمنتوجات الزراعية السيارات المسروقة، ومختلف أنواع المخدّرات، وخاصة حبوب الكبتاغون المخدّرة.

وأشارت تقارير أمنية إلى أن عدداً من مصانع الأدوية في البقاع تحوّل إلى إنتاج هذه الحبوب المخدرة، وأن زراعة القنب الهندي تنتشر بشكل واسع في المناطق السورية المحاذية للحدود اللبنانية.

كما أشارت هذه التقارير إلى عمليات تزوير تجري  في المنطقة، حيث تقوم مطابع تزوير العلامات التجارية في تركيا، بطباعة أسماء وشعارات شركات مشهورة بإنتاج مواد التنظيف، على أكياس وعبوات فارغة، تلبية لطلبيات واردة من لبنان، ويقوم المهربون في البقاع بتعبئة هذه الأكياس والعبوات بمواد مغشوشة، أو بمياه مخلوطة بالصابون، وتهريبها إلى سوربا.

تهريب البشر

تزايدت حركة التهريب على الحدود اللبنانية السورية بشكل كبير بعد الأزمة السورية التي بدأت عام 2011، وتوسعت عمليات تهريب المازوت والمواد الغذائية والسجائر لتشمل البشر، خاصة بعد تزايد أعداد اللاجئين السوريين في لبنان، حيث يمنع الأمن العام اللبناني العائلات السورية اللاجئة التي تعود بشكل نظامي إلى سوريا، من العودة إلى لبنان مجدداً، وهو ما أدى إلى زيادة كبيرة بأعداد اللاجئين الذين يعبرون الحدود بطرق غير نظامية لكي يضمنوا عودتهم إلى لبنان.

ويتم تهريب السوريين إلى لبنان بإحدى طريقتين، في الأولى يقطع الشخص الذي يرغب بالدخول إلى لبنان بشكل غير نظامي، الحدود السورية بشكل نظامي، إلى جديدة يابوس في منطقة المصنع اللبنانية، ثم يتصل سائق السيارة التي تنقله بالمهرب، فيأخذ المهرب هذا الشخص ويدخله من منطقة الصويري التي تقع على مقربة من المصنع.

وفي الثانية، يتم  تهريب الشخص الراغب إلى لبنان عن طريق الزبداني، دون أن يمر على الحدود السورية، إذا كان هذا الشخص ينوي العودة إلى سوريا فيما بعد.

وفي الحالتين يقبض المهرب مئة دولار من كل شخص يقوم بتهريبه.

ضبط  المهربات يشير إلى حجمها

جاء في بيان للجيش اللبناني أن وحدات من الجيش أوقفت أواخر الشهر الماضي، سبعة لبنانيين وأربعة سوريين وفلسطيني، يستعدون لتهريب مواد إلى سوريا.

وأضاف الجيش في بيانه أن وحداته ضبطت سبع آليات محملة بمواد معدة للتهريب إلى الأراضي السورية، تتضمن كمية من البنزين وأسطوانات الغاز، وعدد من رؤوس الماشية، بالإضافة إلى عشرة أطنان من الطحين.

وجاء في البيان أن المضبوطات سلمت للجهات المختصة، وبدأ التحقيق مع الموقوفين بإشراف القضاء المختص.

وتعلن السلطات اللبنانية بشكل دوري إحباط عمليات تهريب من لبنان إلى سوريا، ما يشير إلى كثرة عمليات التهريب، وضخامة كميات المواد المهربة عبر الحدود إلى سوريا.

وكان وزير الطاقة اللبناني قد قال، في منتصف شهر نيسان الماضي، إن السبب الأساسي لأزمة البنزين، والشح الحاصل في لبنان، هو التهريب إلى السوق السورية المحتاجة إلى البنزين، وفرق الأسعار بين لبنان وسوريا يدفع المهربين اللبنانيين إلى تهريب مادة البنزين إلى سوريا لتحقيق أرباح طائلة.

وجه آخر لمشكلة التهريب

خلال مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على تمويل يمكّنه من تجاوز أزمته الاقتصادية، تم إبلاغ لبنان أنه لا يمكن للصندوق تقديم أي مساعدة له قبل اتخاذ إجراءات صارمة تجاه عمليات التهريب التي تستنزف المالية العامة للدولة اللبنانية.

وأكدت المصادر أن الصندوق لا يقدّم دعماً دون وجود إجراءات تمنع استخدام هذه الأموال “في غير سياقها الإصلاحي والهادف لاستعادة الاقتصاد توازنه وتعافيه التدريجي”.

ومما يزيد المشكلة صعوبة البيان الصادر عن “مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان”، التي تضم الأمم المتحدة وحكومات الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا الاتحادية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، إذ طرحت هذه المجموعة شرطاً يعتبر رسالة سياسية موجهة الى السلطات الحاكمة في لبنان، حيث دعت الحكومة اللبنانية إلى “تنفيذ القرارات 1701 و1680 و1559”.

وتنفيذ هذه القرارات يعني ترسيم الحدود مع سوريا وهو ما يمتنع عنه النظام السوري، بينما ينص القرار 1559 على تجريد حزب الله من سلاحه، وهي مسألة شائكة في الوقت الحاضر، ومجرد طرح هذا القرار للحوار سيكون له ارتدادات سيئة على مجمل الوضع في لبنان.

اللبنانيون يتراشقون التهم

تتباين مواقف القوى السياسية اللبنانية من مشكلة التهريب، وتستثمرها بعض الأحزاب لمناكفة خصومها السياسيين، كما تتباين رؤية هذه القوى لكيفية مواجهة هذه المشكلة.

وتطالب قوى وأحزاب لبنانية، منها حزب القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي، بالتحقيق في قضية التهريب، ومعاقبة المهربين ومن يقف خلفهم، أو يتستر عليهم، وبالتدخل الحاسم من الجيش والقوى الأمنية اللبنانية لقمع هذه الظاهرة.

بينما ترى قوى وأحزاب لبنانية أخرى منها حزب الله والتيار الوطني الحر، أن ضبط الحدود بين لبنان وسوريا يجب أن يتم بالتعاون بين البلدين.

ويقول أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، إن “لبنان لا يستطيع وحده معالجة هذا الملف، وفي كل دول العالم يتم هذا الأمر بالتعاون بين الدولتين والجيشين على طرفي الحدود”.

ويعتبر خصوم الحزب كلام نصر الله شرطاً يربط ضبط المعابر غير الشرعية بـ “التطبيع مع النظام في سوريا”.

ويتهمون الحزب بالمسؤولية عن عمليات التهريب وبالسيطرة على معابره، وتحويلها إلى طرقات واسعة، أغرقت السوق اللبنانية بالبضائع والمزروعات المهربة، التي تباع بأسعار أرخص، ما يؤثر على الاقتصاد الوطني.

في حين يزعم الحزب أنه أجهض الكثير من عمليات التهريب بحكم وجوده على الحدود، وسعى إلى التعاون مع الجيش اللبناني لضبط الحدود، “إلا أن التضاريس الوعرة تشكّل صعوبة في ضبطها”.

وتعتبر مصادر صحفية مقربة من الحزب أن محاولة إلصاق تهمة التهريب وحماية المهربين به، تستهدف تشويه صورة المقاومة المدافعة عن لبنان.

وأن بعض الجهات والأحزاب اللبنانية تحرك هذا الملف بـ “محاولة خبيثة” لتدويل الحدود الشرقية للبنان، ونشر قوات حفظ السلام الدولية على الحدود السورية.

يذكر أن جهوداً دولية كبيرة تبذل لدعم الجيش في ضبط الحدود، وأن تنسيقاً أمنياً يتم بين أجهزة الأمن اللبنانية وأخرى دولية لضمان نجاح وقف التهريب، خاصة أن الاستخبارات الغربية بدأت تتوجس من تحول لبنان إلى مصدر يغرق العالم العربي ودول غربية بالمخدرات.