لكل السوريين

مسرحية الانتخابات.. اعتقالات لمن لم يدلي بصوته، ومظاهرات رافضة لها، ومدنيون لقوا حتفهم برصاص احتفالات “الشبيحة”

تقرير/ لطفي توفيق 

لاقت المسرحية الهزلية التي جاءت تحت مسمى الانتخابات الديمقراطية السورية ردود فعل من تكتلات شعبية في الداخل السوري، ومن بينها ضمن مناطق تحسب على الحكومة السورية، سواء في حلب أو درعا أو السويداء، وحتى العاصمة دمشق.

في محاولة لإظهار مشاركة واسعة من المواطنين في الانتخابات الرئاسية، جندت السلطات بالمحافظة كامل إمكانياتها وأجهزتها، وأقامت الاحتفالات فيما أسمته “خيمة وطن”، ومناطق أخرى، وحذرت بعض مديرياتها الموظفين من عدم المشاركة بالانتخابات.

وحددت معظم الجامعات في المحافظة يوم الانتخابات، كيوم امتحانات عملي، لضمان حضور أكبر قدر ممكن من الطلاب إلى الجامعات التي تم توزيع صناديق انتخابية فيها.

ووضعت الجهات الأمنية والفصائل المسلحة في حالة تأهب قصوى لحماية المراكز الانتخابية، وعدم السماح بحدوث أي إشكالات تعكر يوم الانتخابات.

ولم تقع حوادث يوم الانتخابات وما قبله، باستثناء إلقاء مجهولين قنبلة يدوية على الفرقة الحزبية التي اعتمدت كمركز انتخابي في بلدة المزرعة بالريف الغربي للمحافظة، في وقت متأخر من ليلة الانتخابات، وفي الصباح تم اكتشاف عبوة ناسفة زرعها مجهولون في مركز الانتخاب بمدرسة قرية “تعارة” بريف السويداء الشمالي الغربي، وقامت وحدات الهندسة بتفكيك العبوة وتفجيرها، دون وقوع إصابات في الحادثتين.

إفشال احتجاجات المعارضة

فشلت المعارضة المدنية في السويداء بتنظيم احتجاجات منددة بالانتخابات، حيث حاولت تنظيم مظاهرة لهذا الغرض، إلا أنه تم الغاء هذه المظاهرة نتيجة لانتشار أعداد كبيرة من عناصر الأمن والفصائل المسلحة في موعد المظاهرة ومكانها.

وذكر أحد أفراد المعارضة أنهم حاولوا تنظيم حراك مدني، وتوزيع منشورات تعبر عن آرائهم وسبب عدم مشاركتهم في الانتخابات، ولكن القبضة الأمنية المشددة حالت دون ذلك.

وغابت معظم الفصائل المسلحة المعارضة التي تتمتع بنفوذ على الأرض، عن المشهد، سواء بتأييد الانتخابات أو معارضتها.

وأكد أحد قادة هذه الفصائل، أن خيار المشاركة من عدمه يعود لحرية الأشخاص، وأشار إلى إنهم لم يفكروا بمنع الانتخابات، وقال “من يريد أن ينتخب، ينتخب ومن لا يريد لا أحد يستطيع إجباره بالقوة”.

وكان العشرات من أبناء السويداء قد وقعوا على بيان أصدره عدد من المثقفين، نددوا فيه بالمظاهر الاحتفالية الباذخة في المحافظة التي تعاني من وضع اقتصادي خانق، وتشهد توترات بين فترة وأخرى، بسبب النزاعات المحلية وانتشار السلاح والجرائم، وعمليات الخطف بهدف الحصول على فدية.

زيارة غير معتادة

بعد أيام على محاولات المعارضة تنظيم احتجاجات منددة بالانتخابات، وقبل يومين من موعدها، قام رئيس مجلس الوزراء مع فريق حكومي يضم ثلاثة عشر وزيراً، بزيارة للمحافظة هي الأولى منذ سنوات لوفد حكومي يضم هذا العدد من الوزراء.

ومنحت الحكومة خمسة مليارات ليرة سورية موزعة على عدد من الدوائر الحكومية لدعم محافظة السويداء.

ورأت مصادر محلية أن هذه الزيارة جاءت لتنفيس الاحتقان الذي تسببت به المظاهر الاحتفالية الباذخة التي استفزت أهالي المحافظة الذين يعانون من أوضاع معيشية مزرية وغير مسبوقة.

محافظة درعا.. توتر وتفجيرات.. خلال الانتخابات وبعدها

عاشت معظم مدن وبلدات محافظة درعا حالة اضطراب وتوتر شديدين، قبيل الانتخابات الرئاسية، وخلالها، وبعدها، وشهدت بعض مناطقها عمليات إحراق وتفجير، في حين شهدت مناطق أحرى تظاهرات واضرابات وإغلاق الطرق المؤدية إلى بلدات ومدن المحافظة، في ظل وجود فئة كبيرة من أبنائها ترفض العملية الانتخابية، وتعتبرها غير شرعية.

وذكرت الأنباء نقلاً عن مصادر محلية، قيام مجهولين بتفخيخ مبنى البلدية في بلدة “نمر” بالريف الشمالي من المحافظة، مما أدى إلى انهيار كبير في المبنى، كما تم إحراق بلدية المليحة الغربية.

وأشارت المصادر المحلية إلى قيام مجهولين بإلقاء قنبلة يدوية على بلدية صيدا، والنعيمة شرقي درعا، كما سمعت أصوات انفجارات في العديد من المدن والبلدات الأخرى، دون وقوع إصابات أو خسائر بشرية جراء هذه الحوادث.

مظاهرات وإضرابات

خرج العديد من المواطنين بمظاهرات في منطقة درعا البلد عبروا خلالها عن رفضهم للانتخابات واعتبروها غير شرعية.

وفي مدينة الحراك والقرى المحيطة بها في الريف الشرقي من المحافظة، أغلقت المحال التجارية أبوابها، وتوقفت الحركة في الشوارع والأسواق بشكل شبه كامل.

كما شهدت مدينة نوى غربي درعا، حالة إضراب مماثل، وغادر بعض العاملين على المراكز الانتخابية من أبنائها باتجاه العاصمة دمشق، بعد تعرض بعضهم لاستهداف وإطلاق نار.

وكثف الجيش والقوى الأمينة الدوريات في شوارعها، وتم وضع صناديق انتخابية في النادي الرياضي، وفي معمل السجاد، وإحدى المدارس.

وفي مدينة داعل بالريف الأوسط من المحافظة، وبعض البلدات المحيطة بها، شمل الإضراب المحال التجارية، وتوقفت الحركة بشوارعها، كما حدث في مدينة طفس.

وفي المناطق التي تخضع لسيطرة اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس في مدينة بصرى الشام وما حولها، منعت المجموعات المحلية التابعة للفيلق وجود صناديق اقتراع في المنطقة.

استمرار الاشتباكات والتوتر

بعد إجراء الانتخابات، عززت السلطات الحواجز والمقرات الأمنية في مدينة داعل، واقتحمت عدة منازل في الحي الغربي منها، واعتقلت ثلاثة من أبنائها يحملون بطاقات تسوية ومصالحة، وأحرقت منزل أحد أبناء المدينة، الذي هجره وانتقل إلى مدينة طفس منذ سنوات، بسبب الملاحقات الأمنية.

وسبقت هذا الاقتحام اشتباكات ليلية وقعت بالقرب من المقرات العسكرية في المدينة ومحيطها، وتم استقدام تعزيزات من الثكنات العسكرية القريبة منها.

في ذات السياق فقد أفادت مصادر محلية بأن اشتباكات ليلية جرت في مدينة صيدا شرقي درعا، بدأت بانفجار عنيف هز المدينة، وتلته اشتباكات بالأسلحة الخفيفة، ما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى.

وفي مدينة درعا انفجرت عبوة ناسفة قرب المجمع الحكومي فيها، وفق ما أفاد به مصدر محلي، وأشار إلى أنه لم ينتج عن الانفجار أضرار بشرية.

في حلب

ينتشر عناصر “الشبيحة” والأفرع الأمنية والمتعاملون معهم، ويرقبوان من يمنتع عن المشاركة في الانتخابات، بحسب حسان، أحد سكان مدينة حلب، الذي قال “تعرض منزلي للقصف ودُمر، ويريدون منا انتخاب بشار الأسد من أجل تدمير ما تبقى، وإعطاء حق احتلال مناطق جديدة للروس وغيرهم”.

واقتصرت مشاركة المنتخبين على عناصر الأفرع الأمنية والموظفين والطلاب، وحتى السكان غير الأصليين في الأحياء الشرقية، و”مع ذلك لم يكن هناك إقبال كبير بالرغم من مضي أغلب ساعات اليوم واقتراب إغلاق الصناديق” بحسب وسائل إعلامية واكبت الاقتراع.

ويرى سعد من سكان حي طريق الباب، أن الانتخابات لم تكن إلا “مسرحية لأجل التصوير والترويج الإعلامي للنظام”.

وكانت مناطق سيطرة الحكومة شهدت الأربعاء الماضي، افتتاح مراكز الاقتراع لإجراء الانتخابات الرئاسية، مع انتشار أمني مكثف في مختلف المناطق، وتنظيم احتفالات لإعادة انتخاب الأسد.

واعتقل فرعا “المخابرات الجوية” و”أمن الدولة”، 14 مدنيًا من أحياء بستان القصر والكلاسة،  في مدينة حلب، وذلك بسبب عدم مشاركتهم بالانتخابات الرئاسية، والامتناع عن الاحتفال، بالإضافة لوصفهم أمام الجيران الانتخابات بـ”المزيفة”.

وجرت احتفالات في عدة مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، والتي فاز بها الأسد بنسبة 95.1%، بعد منافسة “صورية”.

وأدت الاحتفالات بحلب إلى قتل مدني وأصيب أكثر من 11 آخرين، إثر إطلاق الرصاص الحي من قبل عناصر الجيش وميليشيا “الدفاع الوطني”.

وكان ناشطون وفعاليات عشائرية وثورية أصدروا بيانات، منذ نيسان الماضي، لرفض الانتخابات وتهديدات لكل من يروج لها أو يشارك فيها، وكان الإقبال على التصويت، في الأماكن التي افتتحت بها مراكز الاقتراع، ضعيفًا ومقتصرًا بالغالب على الموظفين والحزبيين.

وسيطرت قوات الحكومة السورية على محافظتي درعا والقنيطرة، في تموز من عام 2018، وفرضت القوات الروسية “تسوية”، ضمنت من خلالها تسليم السلاح المتوسط والثقيل الذي كانت تمتلكه فصائل المعارضة، وتعهدت بالضغط على النظام السوري في تحقيق بنود التسوية، وأهمها الإفراج عن المعتقلين، وتسوية أوضاع المنشقين، وعودة الموظفين المفصولين.