لكل السوريين

“السكبة”.. عادة رمضانية تقوي الروابط الاجتماعية

بعد يوم شاق من الصيام والعمل، يدخل إبراهيم منزله في حماة ليجد أطباق طعام لم يألفها على سفرة الإفطار، متنوعة من عدة ثقافات منها الشامي والديري والساحلي، أرسلها لهم الجيران كطقس من الطقوس الرمضانية التي يحاول السوريون الحفاظ عليها.

وقبل أذان المغرب بدقائق، تُطرق أبواب البيوت لتبادل أطباق مختلفة من وجبات الإفطار، ومع اختلاف أصول المقيمين في حماة وتعددها، بسبب ما فرضه واقع النزوح، صارت “سكبة رمضان” طريقة للتعرف على ثقافات المحافظات الأخرى في إعداد الطعام، خاصة بعض الأطباق المشهورة.

“السكبة“، خاصة في رمضان، عادة توارثها السوريون منذ عقود، ويعود تاريخها إلى حادثة، كان فيها أحد فقراء دمشق يتلقى أطباق الطعام من جيرانه يوميًا، إلى أن زاره في يوم ما شخص من الريف في وقت وجبة الغداء، حيث كان توقيت زيارته محرجًا.

وعندما دُعي الزائر إلى مائدة طعام الرجل، فوجئ بوجود أكثر من عشرة أطباق مختلفة على المائدة، كما طُرق الباب مرة أخرى قبل البدء بالطعام، ليعود صاحب المنزل بطبق طعام إضافي للمائدة، وحينها أصبح الزائر يروي ما شاهده لكل من يلتقيه، حتى انتشرت القصة بين العائلات، وأصبحت من عادات جميع السوريين.

ومنذ ذلك الوقت، لا تعتبر “السكبة” حكرًا على الأغنياء فقط، بل كان الغني والفقير يصبان الطعام لبعضهما، ثم أن “السكبة” كانت جزءًا من طريقة الأخذ والعطاء التي كانت سائدة، ولعلها امتداد محرّف لطريقة المبادلة والمقايضة القديمة، لكنها في جميع الأحوال كانت تكريسًا للتداخل بين الأسر، والتعاطف القائم بين الناس، وتبادل المحبة.

لا يتبادل سكان حماة أطباق طعام تحمل أصنافًا متنوعة من الأطعمة فقط، بل ينقلون عبرها ثقافات ومذاقات خاصة بمنطقة معيّنة، تبعد عن حماة مئات الكيلومترات.

وتداخلت ثقافات السوريون نتيجة النزوح، لا سيما في مدينة حماة التي احتوت نازحين من دير الزور وحلب وإدلب والرقة

تقول آلاء وهي من سكان حي القصور في حماة، “في البداية لم نتعرف إلى بقية الجيران، فلكل أسرة عاداتها وثقافتها، ومحيطها الاجتماعي المختلف، ومع حلول الشهر الفضيل، فتحت سكبة رمضان الأبواب لمزيد من الود، ومن خلال السكبة تعرفنا إلى عادات وثقافات جيراننا”.

ومن فوائد عادة “السكبة”، أن الطعام كان يُطبخ لأكثر من يوم، دون تنويع في الأطباق، لما ستسهم به هذه العادة من توفير عديد من الأطباق، إذ كانت تؤخذ “السكبة” بعين الاعتبار ويُعتمد عليها، خاصة في شهر رمضان، فلا تُكثر النساء من التنويع، خشية التبذير أو الإسراف.

مع تدهور الوضع المعيشي، تراجعت عادة “سكبة رمضان” خلال السنوات الماضية، وأصبحت تقتصر على ميسوري الحال، أو أصحاب الدخول المتوسطة.

كما تصطدم معظم العائلات بارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية الأساسية، وسط توقعات بارتفاعها أكثر، وبحسب استطلاعات، فإن 90% منهم قالوا إنه لا يمكنهم وضع أي خطط للاحتفال برمضان، لأنهم استنفدوا مواردهم الأخيرة.

ويتجاوز سعر كيلو اللحم نحو الـ 60 ألف، أي ما يعادل أجرة العامل ليومين أو ثلاثة، ما أدى إلى عجر فئة كبيرة من المواطنين عن إعداد أنواع الأطعمة التي تحتوي على اللحم.

وتعاني ما بين 75 و80% من العائلات في سوريا باستمرار من فجوة في الدخل والإنفاق لتلبية الاحتياجات الأساسية، بحسب أرقام الأمم المتحدة.