لكل السوريين

اترك قمرنا يا حوت

لطفي توفيق

أتدرون ما يعني القمر لنا..
القمر يذكر أطفال حارتنا برغيف الخبز المدور..

بلا حروق ولا ندوب…
يكتمل في منتصف كل شهر عربي..

كهموم موظف طيب وبسيط..
وكالجباه المعروقة إذا عاد هلالاً..
نستهله كل إطلالة بأعذب نجوى…
“الله يهلّك… ويستهلّك….. ويجعلك علينا هلال مبارك”
ونودعه كل أحلامنا البريئة إذا رحل..
ونذوب شوقاً وابتهالاً لعودته..

علّه يحمل لنا رفة أمل.. أو بقايا حلم..
ولا نلومه كثيراً إذا عاد مثل كهل يدلف الى كوخه خالي اليدين..
يلوذ بصمته وحزنه هرباً من عيون أطفاله التي تجلده دون رحمة.
ونهبّ للدفاع عنه إذا جاء الحوت لابتلاعه..
نجمع العصي وألواح ” التنك والطناجر “لتبدأ أيدينا الغضة بالقرع عليها بعنف..

يرافقه صراخنا:
“أترك قمرنا يا حوت…
بكرا العجايز بتموت…”
ولكن الحوت اللعين يصر على ابتلاعه..

فنصرخ… ونصرخ لاستعادة قمرنا..
فيهرب الحوت..
ويقفز القمر إلينا فرحا..
يعانقنا.. ويغفو بين أهدابنا المسكونة بالأحلام والوجع.
وفي زمن رمادي.. يعرف كيف لا يشيخ..
ويعرّفنا أقصر طريق الى أن نشيخ في الطفولة..
ونصغر مع تقدم السن…
في زمن أغبر مدون في الذاكرة المفقودة
عاد الحوت…

بل عادت الحيتان….
بعيون مشعة بخبث لم نألفه من قبل..
عادت الحيتان.. وقمرنا يتشح بصفرة سنوات عجاف..
واحدة أكلت اللحم.. وأخرى أذابت الشحم.. وثالثة نخرت العظم
وعلى العظام المنخورة أن تواجه الحيتان الجديدة.
الحيتان شرسة..
والعصي وألواح “التنك” هجرت أيدينا ذات خريف مدوّن في تجاعيد الذاكرة..
والصرخات الغضة أعلنت إفلاسها في مزاد العصر السري والعلني..
وما زلنا نسمع.. وقد كبرنا.. أصوات “قرقعة” غير منتظمة..
اترك قمرنا يا حوت.
فلا الحيتان تركت القمر..
ولا العجائز ماتت….
وما زالت عيوننا تحتضن ما تبقى من أمل..

ينبت بين الحدقة والدمعة..
ويسبح في ماء العين كسفينة تمزق شراعها..
وعبثت بها أمواج لا ترحم.
وبين الحدقة والدمعة..

تنبت حكايات ملونة كأبخرة تتصاعد من معبد مهجور.
وساخنة كالأبخرة التي تسبق البركان..
بينهما.. تنبت حكاية عشق مع وقف التنفيذ
كشروق مؤجل حتى إشعار آخر..
أو بلا إشعار..
أو شعار.