لكل السوريين

إلى متى؟

حسن مصطفى

قبل أيام وضعت حرب غزة أوزارها وتم توقيع هدنة بين الطرفين بوساطات إقليمية ودولية وعربية، وهذه الهدنة لن تكون في أفضل حالاتها سوى استراحة محارب، فالطرفان يسعى كل منهما للإيقاع بالآخر والقضاء عليه إن سنحت له الفرصة بذلك.

هذه الحرب التي يتبدى للمشاهد العادي والمتابع البسيط أنها حرب بين الطرف الفلسطيني الذي احتلت أرضه ودنست مقدساته وشرد أبناؤه، وبين الطرف الاسرائيلي الذي يسعى للدفاع عن مشروعه التوسعي والاستيطاني على حساب الحقوق المشروعة لشعوب المنطقة.

وهذه الحرب كسابقاتها هي من حروب الوكالة التي قامت بها بعض الفصائل الفلسطينية نيابة عن إيران من أجل تعزيز موقفها التفاوضي في مفاوضات المشروع النووي الايراني مع مجموعة الخمسة زائد واحد بإشراف منظمة الطاقة النووية، أما إسرائيل فهي من الأدوات التنفيذية الفاعلة لدى الولايات المتحدة بحكم طبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين وهذا ما يفسر لنا تسارع الادارة الأمريكية إلى إعلان استعدادها لتزويد إسرائيل بما تحتاجه في هذه المواجهة العسكرية التي برهنت على هشاشة وضعف المجتمع الاسرائيلي من خلال حالة الهلع التي أصابته جراء صواريخ غزة.

وبالعودة للموقف الايراني الذي دخل المفاوضات النووية، وهو يحمل العديد من الأوراق التفاوضية، وأراد أن يستخدم ورقة أخرى قوية وهي أمن إسرائيل من خلال زج الفصائل الفلسطينية في المعركة بحجة الدفاع عن المقدسات التي لطالما تاجر بها الكثيرون من قبلهم.

وقد استطاعت إيران أن توهم أو أن تجعل الطرف الفلسطيني يوهم نفسه بأن مشروع إيران يتعارض مع المشروع الإسرائيلي، وبالتالي يمكن توظيفه لخدمة مشروع المقاومة بالرغم من أن المشروع الايراني الصفوي هو مشروع توسعي أيضاً يهدف لإعادة أمجاد امبراطورية فارس ولكن باستخدام ستار الثورة الاسلامية.

واليوم وبعد انتهاء هذه الجولة من المواجهة العسكرية المفتعلة مع إسرائيل بدأ يتكشف معها حجم الأضرار والخسائر التي لحقت بالشعب الفلسطيني بالأرواح والممتلكات والتكاليف الاقتصادية الباهظة التي تكبدها الفلسطينيون وبما لا يتناسب البتة مع حجم المكاسب التي تحققت للشعب الفلسطيني، وبالمقابل جرى توظيف نتائج تلك الجولة من المواجهة العسكرية مع إسرائيل لصالح المفاوض الايراني.

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح باحثاً عن جواب هو إلى متى تستمر المتاجرة بالدم الفلسطيني والمعاناة الفلسطينية في أسواق السياسة وإلى متى تستمر المتاجرة بحماية المقدسات والدفاع عنها.

إن أهل غزة اليوم بحاجة إلى مساعدات عاجلة من أجل إعادة إعمار ما جرى تدميره جراء القصف الاسرائيلي غير المسبوق على المدن والبلدات الغزاوية دون تمييز بين مرفق مدني وسوق شعبي ومجمع سكني أو تعليمي ونقطة عسكرية أو هدف أمني، مما تسبب بتدمير البنى التحتية لمناطق مهمة من القطاع.

وبالرغم من مسارعة العديد من الدول للإعراب عن استعدادها لتقديم أشكال الدعم المادي والمساعدة إلا أن ذلك الدعم لن يصل إلى مستحقيه من أهل غزة لأن تلك المساعدات تخضع لقرارات سياسية من حكومات وبرلمانات تلك الدول إضافة ًإلى العنصر الأساسي لضمان الوصول إلى قطاع غزة وهو الجانب الاسرائيلي الذي يتحكم بحركة الدخول والخروج من قطاع غزة وبالتالي ستبقى تلك الأموال رهينة القرار الاسرائيلي.

وما يوده الغزيون اليوم هو الاجابة على سؤال هام واستراتيجي هو إلى متى يبقى أمن واستقرار المجتمع الفلسطيني عامة والغزاوي خاصة رهين سلطات الأمر الواقع الحاكمة والمرتبطة بالأجندات الخاصة الساعية دوماً إلى مزيد من الهيمنة والتحكم بمصير الشعوب ومستقبلها في إطار أسوأ التوظيفات لعلاقاتها المشبوهة مع المشروع الايراني من أجل خدمة مشروع سياسي مؤدلج بعيد كل البعد عن مصالح وأهداف وتطلعات شعوب المنطقة.