لكل السوريين

سنوات الحرب الطويلة تخلق المزيد من المشكلات الاجتماعية.. وسط سوريا مثالاً

تقرير/ جمانة الخالد

لا شك أن تزايد وتراكم المشكلات الاجتماعية في أي مجتمع يحمل في طياته العديد من الآثار والتداعيات السلبية، حيث يهدد ذلك بنية المجتمع وتفكيك الأسرة والمجتمع ككل، مما يترتب عليه مشاكل وظواهر اجتماعية أخرى، مثل ارتفاع معدل الجرائم والسرقات وانتشار الجهل بسبب عدم استكمال المراحل التعليمية.

ساهمت الأزمة الاقتصادية في سوريا، بتزايد المشاكل الاجتماعية معها بمختلف أنواعها وأحجامها. وقد ارتفعت نسبة العنف الأسري، خاصة بالنسبة للنساء، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الطلاق وعدم رغبة الجيل الشاب في الزواج أو الإنجاب. وتتعدد الأسباب وراء كل ذلك، إلا أن التدهور المتسارع للأوضاع المعيشية في البلاد أدى إلى تفاقم هذه المشاكل.

لم تعد مشكلة العنف الجسدي هي المشكلة الوحيدة التي تعاني منها المرأة في المجتمع السوري عموماً وفي حمص وحماة وسط سوريا خاصة، بل هناك معضلة العنف النفسي التي يتعرضون لها بشكل متكرر في حياتهم، سواء كانوا متزوجين أو عازبين. وقد أصبح هذا النوع من العنف ظاهرة مقلقة تهدد أمن وسلامة الأسرة والمجتمع على حد سواء، خاصة وأن الأطفال هم الضحايا بعد انفصال والديهم.

 

الأخطر من ذلك أن نسبة كبيرة من جرائم العنف النفسي داخل الأسرة تبقى سرية برضاهم لأنها تضع في مقدمة أعذارها ضغوط الحياة الذي يتعرض له الزوج، مما يجعله يعتبر هذا العنف عاديا أو حقا من حقوقه ضد زوجته.

تؤدي خطورة العنف الجسدي والنفسي حتما إلى إصابة النساء المعنفات بأشد وأخطر أنواع الاكتئاب، مما يدفعهن إلى الانتحار. كما أن بعض أنواع العنف تحول المرأة إلى عديمة الإحساس وغير قادرة على تكوين شخصية سليمة.

وهناك 65 بالمئة من الحالات التي تراجع الأطباء النفسيين هي من المراهقات اللواتي تعرّضن للابتزاز الجنسي وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والـ35 بالمئة الأخرى هن من السيدات المتزوجات عبر الزواج التقليدي ورغبتهن بالعلاج ليستطعن تنشئة أبناء أسوياء نفسيا.

وغالباً ما يأتي العنف النفسي مرافقا لكافة أنواع العنف الأخرى، ويأتي منفردا كذلك في حالات قليلة تكاد لا تُذكر، حيث لا يمكن الفصل بينه وبين العنف الجسدي، لأنهما في معظم الحالات يجتمعان سوية، ولكن ثمة نوع من العنف يعتبر الأخطر وهو العنف الاقتصادي كتقصير الزوج في الإنفاق على زوجته وأسرته.

يبدو أن أعمال العنف الأخيرة تتزايد بشكل ملحوظ في المجتمع السوري، وفي كثير من الحالات لا يكون ذلك متعمدا من قبل رب الأسرة. وهو نتيجة للواقع الاقتصادي الهش الذي يعيشه جميع السوريين اليوم.

تعتبر سوريا من الدول التي ارتفعت فيها معدلات الطلاق والعنف الأسري بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، فضلا عن ارتفاع معدلات عدم الرغبة في الزواج والارتباط أو حتى الإنجاب، وذلك لأسباب تتمحور حول الجانب الاقتصادي والاجتماعي.

من الواضح أن الوضع الاقتصادي المتدهور في جميع أنحاء البلاد ينعكس سلبا على جوانب مختلفة من الحياة، مما يدفع الشباب اليوم إلى التفكير مليا في قرار الزواج وتكوين أسرة، خاصة وأن العقبات كثيرة وتزداد يوما بعد يوم، بالإضافة إلى عدم وجود فُرص عمل جيدة.

بالتالي بات الزواج بالنسبة للكثير منهم مجرد حلم لن يتحقق مع استمرار الأزمات في سوريا، وكل يوم تزداد رغبة الشباب في الهجرة إلى الخارج.

وضيّقت الحرب خلال السنوات العشر الماضية الخناق على الشباب السوري وجعلت أحلامه تتلاشى ببناء أسرة، وسط غلاء مستلزمات الزواج وصعوبة تأمين وفتح بيت، بل وحتى استئجاره، فأسعار البيوت خيالية وإيجارها بأرقام غير مسبوقة لا يقدر على تحمّلها العرسان الجدد. لذا لا عجب أن يتحوّل يوم الفرح إلى كارثة مادية تطيح بأحلامهم المستقبلية وتستنفد نقودهم ومدّخراتهم التي لم تعد لها قيمة أمام انخفاض القيمة الشرائية لليرة.

تغص المحاكم في مختلف المحافظات، بدعاوى التفريق، والمؤلم أن الأبناء والأطفال بشكل خاص هم من يدفعون الثمن. في محافظة حماة على سبيل المثال لا الحصر، يقول مصدر في دائرة نفوس صبورة، أن معدلات الطلاق في العامين الأخيرين وصلت إلى 200 بالمئة، مسجلة ارتفاعا عن الأعوام السابقة بمعدل 60 أو 70 حالة طلاق في العام، وذلك ضمن نطاق الناحية فقط، في الوقت الذي لم تكن تتجاوز في الأعوام السابقة 3 حالات سنويا.

أما الآثار الاجتماعية فتتجسّد في ارتفاع نسب الطلاق وبالتالي التفكك الأسري، وتأثر العملية التربوية، فالعنف له تداعيات سلبية كبيرة على الأم وبالتالي الأطفال الذي هم عماد مستقبل أي مجتمع.