لكل السوريين

حلبجة الثانية.. إيزيديون مجزرة شنكال، حدثت نتيجة التوافق الدولي لرسم الشرق الأوسط الجديد

حاوره/مجد محمد

يصادف الثالث من شهر آب في كل عام ذكرى لجريمة يندى لها جبين البشرية جمعاء، إبادة دمعت العيون وآلمت القلوب، ذكرى هجوم تنظيم داعش الإرهابي على سنجار، الذي دمر وقتل وذبح وشرد واختطف أبناؤها وبناتها فقط لأنهم ايزيديين ولم يتخلوا عن معتقدهم، ومنذ أن تمت مهاجمتهم وفي وقت قصير، اغتيل ما يقارب خمسة آلاف شخص أغلبهم رجال، كما تم أسر الآلاف من النساء  وبيعهن في الأسواق، العديد من الإيزيديين تم بيعهم في الأسواق كالعبيد في مناطق مختلفة احتلها مرتزقة داعش في العراق وسوريا، مثل دير الزور والرقة والموصل، الهجوم الذي شكل مآسي لم تنتهي حتى اليوم.

وعن هذا الموضوع وفي هذا الخصوص، أجرت صحيفتنا حواراً مطولاً مع السيد اوميد برهو، العضو في البيت الايزيدي، ودار الحوار التالي:

*استاذ اوميد مرحباً بك بداية، تعازينا لك بهذه الذكرى الأليمة، والرحمة لأرواح الشهداء والضحايا، إبادة داعش في عام ٢٠١٤ لم تكن الأولى التي يتعرض لها الشعب الايزيدي، الإبادات بحقكم كثيرة للأسف، كيف ذلك؟

اهلاً بك، للأسف تاريخ الشعب الايزيدي  مليء بالآلام ومثخن بالجراح، فعلى مر التاريخ عانى الشعب الإيزيدي أكثر من ٧٢ إبادة جماعية، وأكثر من ٢٠٠ مجزرة، فالايزيديين عانينا عبر التاريخ بسبب ديننا من السلاجقة والاوغوز والمغول والتتار والعثمانيين والبريطانيين وغيرهم، واخرهم كان تنظيم داعش الإرهابي، فعلى المدى التاريخي الطويل عانينا من الاضطهاد المنهجي، والتمييز على أساس ديني، ومحاولات تغيير العقيدة الدينية بالقوة، مروراً بالعنف الموجه ضد أفراد الأقلية، ووصولاً إلى المذابح المنهجية والإبادة الجماعية التي تتخذ في الذاكرة الإيزيدية تسمية الفرمانات.

*ذكرت لي أن الإبادات حصلت حتى من قبل المغول والتتار، فهؤلاء منذ زمن بعيد وصولاً إلى زمن الفرمانات كما ذكرت ايضاً، ألهذا الحد عانى الشعب الايزيدي؟ ما الأسباب وراء اضطهادكم الكبير ذلك؟

بل حتى أقدم من ذلك، فحملات الاضطهاد التي تعرض لها الشعب الايزيدي تعود إلى زمن سقوط الإمبراطورية البابلية قبل الميلاد، ومنذ ذلك الحين في ضل الظروف السلبية عانى الشعب الايزيدي من التشرد والاضطهاد، فكانت منذ ذاك الزمن كل السلطات الحاكمة من أمراء وسلاطين والقادة يستخدمون السلاح الديني ضد الايزيديين فيبيحوا قتلهم وتهجيرهم علناً، وأما الأسباب فكثيرة وأبرزها هو القضاء على الشعب الأيزيدي بهدف عدم تنامي قدراته البشرية والجغرافية والفكرية والإدارية والحصول على الغنائم والممتلكات الأيزيدية، وكذلك اجتثاث الامتداد التاريخي والحضاري السومري البابلي للشعب الأيزيدي ومحو اللغة الأيزيدية، وأيضا اجتثاث الديانة الأيزيدية التي هي امتداد للديانة البابلية، والقضاء على المعالم الحضارية والتاريخية والتراثية للشعب الأيزيدي والاستحواذ على المناطق والجغرافية الأيزيدية بأكملها، واستغلال الطاقات البشرية من الأيزيديين الذين يقعون تحت رحمة الغازين لمهنة العبيد وتجنيدهم في صفوف الجيوش الغازية.

*قبل أن ندخل في موضوع الإبادة التي تعرض لها الايزيديين من قبل داعش عام ٢٠١٤ والتي حلت ذكراها التاسعة، هناك مقولة تقول ان العثمانيين هم أكثر من اضطهد الايزيديين، تحدث لي عن ذلك؟

نعم، على مدار حكم الدولة العثمانية منذ تأسيسها وحتى سقوطها، عانى الايزيديين معاناة لا توصف ولا يقدر حجمها، ففي البداية ذكرت لك كلمة الفرمانات، فحسب التاريخ الموثق اصدر العثمانيين بحق الايزيديين ٦٦ فرماناً، عدا تلك التي لم توثق والتي هي أكثر بكثير من الفرمانات التي توثقت، فرمانات تسببت للأيزيديين بالقتل والذبح وسرقة الممتلكات وسبي النساء والتشريد استرقاقهم وخصي الذكور منهم وإبادة أطفالهم بشكل جماعي وبيعهم في الأسواق وتم التنكيل بهم، حتى أنه وصل بهم الحد في إحدى الفرمانات أن من يقتل ايزيدياً ويجلب رأسه يحصل على مكافأة، وكل ما تم قتل عدد أكبر وجلب أكثر من رأس يزداد حجم المكافأة.

*الثالث من آب عام ٢٠١٤ ذكرى أليمة بحق العالم أجمع وبحق الايزيديين على وجه الخصوص، كيف تم الهجوم؟ وما حدث؟

بدأت داعش بالهجوم على سنجار بعد انسحاب قوات البيشمركة التي كانت على حدودها من دون إطلاق ولا رصاصة، وبدأت بغزوها قرية تلو الأخرى مرتكبة جرائم قتل جماعية للجميع دون استثناء رجالا ونساء وشيوخ وأطفال بحجة أنهم كفار على حسب زعمها، وحينها تمكن ٥٠ الف من أهالي سنجار والقرى التابعة لها من الفرار إلى الجبال التي كانت هي أيضا محاصرة من قبل داعش وعانوا من الجوع والعطش، وتفصيل أكثر كانت لديهم خطة ممنهجة للإبادة، فتم قتل الرجال بشكل جماعي وتم  إجبار البعض منهم على الإسلام، اما النساء والفتيات فمن لم تقتل منهن تم سبيها وبيعها في الأسواق، وللأسف في نفس يوم الهجوم تم احتلال كامل سنجار والقرى التابعة لها، ففي اليوم الأول فقط  تم توثيق قتل ١٢٦٨ ايزيدي، وسبي ٣٥٤٨ فتاة تم بيعها لاحقاً في الأسواق، ودمر ٦٨ من المعابد والمواقع الثقافية، وكما ذكرت لك هذه حصيلة اليوم الأول فقط، ولك أن تتخيل ما حدث بعدها بعد بسط سيطرتهم فيها، اما ال ٥٠ الف شخصا الذين كانوا محاصرين منهم من تم وصوله إلى الحسكة السورية بمساعدة قوات سوريا الديمقراطية التي فتحت لهم ممر آمن، ومنهم من تمكن من الدخول لإقليم كردستان شمال العراق وبعضهم من لقى حتفه جراء الجوع والعطش الشديد.

*رغم أن تنظيم داعش هو تنظيم إرهابي أساساً، لكن مع الايزيديين تشعر انهم كانوا يستلذون بالتعذيب والتنكيل بهم، لما كل هذا؟

السبب بسيط جداً، وهو كما قلته الإرهاب وتهم كثيرة يتم الصاقها بالشعب الايزيدي مثل عبادة الشيطان وشرب الدماء وحتى زنى المحارم وغيرها الكثير من الادعاءات، ولكن للأسف على غرارها تم الهجوم على سنجار وبدء حملة وحشية للقضاء على الهوية الإيزيدية، انطوت على انتهاكات ارتكبت على نطاق واسع، وإرغام على التحول إلى الإسلام، وفصل للعائلات واسترقاق للنساء والأطفال الناجين الذين تم اعتباراهم غنائم حرب، وترقى تلك الحملة إلى إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وفقاً للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ونشر تنظيم داعش إعلاميا على نطاق واسع الجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين، مستخدما إياها كدعاية لجذب مجندين جدد ولترويع المدنيين.

*اتمنى ان تكون تلك الإبادة الأخيرة التي يتعرض لها الشعب الايزيدي، هناك خلاف دائم حول من قام بتحرير سنجار، كيف ولماذا ذلك؟

نعم، وحتى الآن الخلاف لم ينته، فسنجار تتبع للموصل اي أنها جغرافياً تتبع للحكومة العراقية، وحين تحررت أعلن البرزاني رئيس إقليم كردستان ضمها للإقليم، وبذات الوقت قدم أبناء سوريا تحت راية وحدات حماية الشعب أروع الملاحم والبطولات في تحريرها بعد أن أعلنت وحدات حماية الشعب بياناً رسمياً عن إرسال مقاتلين للمساعدة بتحرير سنجار، فرغم انسحاب البيشمركة في البداية التي سهلت احتلال سنجار الا أنهم لاحقاً قاموا أيضاً بالمشاركة بتحريرها مع الحشد الشعبي ووحدات حماية الشعب السورية بمساندة التحالف الدولي ضد داعش.

*بعد ان تم القضاء على داعش، عاد اغلب النساء المختطفات، هل بإمكاننا القول أنه عاد جميع المخطوفين؟

نعم بعد ان حررت قوات سوريا الديمقراطية الباغوز آخر معاقل تنظيم داعش تم تسليم البيت الايزيدي العديد من المخطوفات الايزيديات, ونحن بدورنا قمنا بإعادتهم إلى أهلهم وذويهم ومنهن ايضاً من كان معها أطفال بعد ما تم ارغامها على الزواج من إحدى الدواعش، للأسف لا يزال مصير الآلاف من الإيزيديين الذين اختطفهم تنظيم داعش الارهابي من سنجار غامضا، لتتعمّق معاناة أهاليهم الذين لا يعرفون إن كانوا أحياء أم في عداد الأموات، وحتى اليوم  يتم استخراج جثث من مقابر جماعية في سنجار، في حين لا يزال أكثر من ٢٧٠٠ شخص في عداد المفقودين، ولا يزال ايضاً بين الحين والآخر اكتشاف مقابر فردية وجماعية للأيزيديين.

*ختاماً، في الذكرى التاسعة كلمة تحب أن تقولها، المجال مفتوح لك..

لقد كانت هذه الجريمة مأساة وفاجعة يستحيل نسيانها، وقد هزت ضمير الإنسانية جمعاء، وأناشد جميع القوى المعنية بألا يقوموا بالسماح بتكرار مثل هذه الإبادات والجرائم في أي مكان من العالم، وخصوصاً نحن كشعب ايزيدي عانينا الويلات منذ القدم، فقد آن الأوان لننعم بعيشة هنيئة بعيدة عن الحروب والويلات والاضطهاد الممنهج ضدنا على أساس عرقي.