لكل السوريين

المجلس العسكري المقترح.. أنباء متناقضة.. ومواقف متباينة.. ورسائل باتجاهات مختلفة

تقرير/ محمد الصالح 

بعد فشل اللجنة الدستورية في صياغة دستور جديد للبلاد، أو مراجعة الدستور الحالي، وإدخال تعديلات عليه، كي تجرى الانتخابات الرئاسية المقبلة على أساسه. وفي ظل الاستعدادات الجارية في سوريا لإجراء هذه الانتخابات، ظهرت دعوات لتشكيل مجلس عسكري مشترك بين النظام السوري والمعارضة بقيادة العميد مناف طلاس، لقيادة المرحلة الانتقالية.

وحسب ضباط من فريق طلاس، فالمجلس العسكري المزمع تشكيله هو مشروع مرتبط بمشاريع متوازية في جنيف وأستانا، وسيرتبط بآلية رقابة يتم اعتمادها من الأمم المتحدة، وهو ليس منصة حكم عسكرية بديلة عن هذه المشاريع.

وحسب المصدر سيتم تسويق هذا المشروع دولياً وشعبياً، ويتم التوافق عليه بين الأطراف السورية والأطراف الدولية، ثم تتم مناقشة التفاصيل المتعلقة به، وارتباطاته بالمنصات القائمة، والجديدة المقترحة للرقابة على المرحلة الانتقالية.

وحسب التقارير، يتحدث القائمون بتسويق هذا المجلس عن انفتاحهم على كافة السيناريوهات المتعلقة به، ويعتبرون أن الاولوية الآن للعمل على إيجاد خيارات تساهم في تحسين ظروف الحل السياسي في سوريا، وتخفف من تكاليف الحرب السورية على المواطن السوري.

وسيعتمد المجلس في المرحلة القادمة على مناقشات بين الأطراف السورية، والحوار مع الدول المهتمة بالشأن السوري، لصياغة آلية تمثيل في المجلس، لا تقصي أحداً، وتحافظ على تحرير المؤسسة العسكرية في سوريا من التبعية الدولية، ومن التبعية للأشخاص، وتحويلها إلى مؤسسة تمثل مطالب الشعب السوري بكافة فئاته ومناطقه، وتساعد على بناء علاقات سليمة مع الدول التي لها مصالح استراتيجية في سوريا، وتقدم ضمانات لدول الجوار السوري بخصوص مخاوفها على أمنها القومي، وتتولى مهمة إعادة السلم الأهلي في سوريا.

أنباء متناقضة

كثر الحديث مؤخراً عن تشكيل المجلس بعد تداول تسريبات عن مقترح تقدمت به كل من منصتي القاهرة وموسكو إلى روسيا، لتشكيل مجلس عسكري يتكون من ضباط من المعارضة والنظام، ويترأسه العميد مناف، لقيادة المرحلة الانتقالية.

ومع أن منصة موسكو نفت تقديم أي مقترح لروسيا بهذا الخصوص.

ومنصة القاهرة استنكرت إقحام اسمها في هذا الشأن، وأكدت أنها “لم تقدم أي اقتراح للروس لا كمجلس عسكري ولا غيره”، وأشارت إلى أنه لا علم لها بهذا الأمر، استمرت الأنباء حول هذا المجلس، وتزايدت في ظل عدم تأكيد طلاس لهذه الأنباء، أو نفيها، وحافظ على صمت عزز فرضية السعي إلى تشكيل المجلس، ودفع الكثيرين إلى إطلاق خيالهم في الحديث عن مهمة المجلس، وعدد أعضائه، وطرح بعضهم أسماء ضباط من المنشقين كأعضاء في المجلس.

كما أكد عدد كبير منهم تلقي العميد طلاس إشارات جدية لبلورة المقترح.

وتحدثت بعص التقارير الصحفية عن ترحيب عدد كبير من الضباط بتشكيل هذا المجلس، حيث وجدوا فيه خلاصاً من حالة الفصائلية، ومن أمراء الحرب المسيطرين على الفصائل المسلحة المعارضة.

وأكدوا أن المقترح لاقى ترحيباً في أوساط السوريين النازحين والمهجرين ونشطاء الداخل والخارج.

موسكو تنفي.. والرياض والدوحة تراقبان

بعد أن كثرت الأحاديث في أوساط سياسية معارضة حول طرح مقترح المجلس العسكري في موسكو خلال اجتماع ضم بعض أعضاء منصة القاهرة ومنصة موسكو، مع وزير الخارجية الروسي في 21 كانون الثاني الماضي.

ومع تزايد تداول الفكرة، والتناقصات الواضحة في تداولها، وتعليقات الصحف الروسية عليها، اضطر مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا إلى نفي وجود محادثات حول المجلس العسكري السوري.

ووصف ألكسندر لافرينتيف ما يثار حول الموضوع بأنه “تضليل متعمد بهدف نسف المحادثات والعملية السياسية” في إشارة منه لانطلاق الجولة الـ 15 من محادثات مسار أستانا التي انعقدت في مدينة سوتشي الروسية شهر شباط الماضي.

في حين نقلت أطراف من المعارضة السورية المقربة من السعودية، وأطراف أخرى مقربة من قطر اهتمام الرياض والدوحة بهذا المقترح، وأشارت هذه الأطراف إلى أن الدولتين تراقبان بلورته بين الضباط المنشقين من جهة، ورد الفعل الأمريكي والأوربي حوله من جهة أخرى.

وذكرت أن المسؤولين عن الملف السوري في البلدين لم يبادروا إلى الاتصال بالعميد طلاس، رغم الاهتمام الشديد لكل منها بهذا المقترح.

بيمنا يجري البلدان اتصالات مع قادة في المعارضة السياسية والعسكرية لجس نبضهم حول المشروع، إضافة لتلقيهم تقارير من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال وشرق سوريا، حول رأي الناس بفكرة المجلس العسكري، وشروطهم لقبوله، ومدى قبولهم أن يكون العميد طلاس على رأس هذا المجلس.

قوات سوريا الديمقراطية ترحب

أعلنت قوات سوريا الديمقراطية تأييدها لفكرة تأسيس مجلس عسكري لقيادة سوريا، وترحيبها بأي خطوة تؤدي إلى حل الصراع السوري، وتعمل على ضم جميع القوى الفاعلة على الأرض.

وأعلن المتحدث الرسمي باسمها استعدادها للمشاركة في تشكيل مجلس عسكري مشترك لإدارة البلاد في مرحلة انتقالية، شرط تمثيل جميع القوى السورية، ووجود كيان سياسي يمثلها.

وأكد أنهم على تواصل مع العميد مناف طلاس بخصوص تشكيل المجلس، ومعرفة مهامه، والهدف منه، والأفكار المطروحة حوله.

وأشار المتحدث الرسمي إلى جاهزية قوات سوريا الديمقراطية لاستمرار الحوار مع طلاس من أجل الوصول إلى تفاهمات ترضي جميع الأطراف.

واعتبر أن “تشكيل المجلس العسكري جاء نتيجة حوار مباشر بين أطراف الأزمة السورية غير المؤثر عليها من الخارج”.

كما اعتبر أن أن “طلاس شخصية وطنية مقبولة من جميع مكونات الشعب السوري، وشخصية يمكن التوافق حولها من جميع الأطراف في هذه المرحلة”.

“التجمع” يجمع التواقيع

وكان “تجمع الضباط الأحرار” قد رحب بتشكيل المجلس العسكري، وأكد دعمه لتولي العميد مناف طلاس رئاسته.

واعتبر أن “المجلس العسكري يكاد أن يكون خارطة الطريق الوحيدة المقنعة التي من شأنها إيجاد المخرج المناسب لجميع القوى اللاعبة في الملف السوري، للخروج من مأزق الصراع السوري، الذي تجاوز حدود العقل والمنطق”.

وأشار إلى أن العميد مناف طلاس رجل توافقي، ويحظى بقبول دولي وإقليمي وعربي، ولديه علاقات مع الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والدول العربية الفاعلة دون استثناء.

وحول توقيت الإعلان عن المجلس، أكد متحدث باسم التجمع أنه بيد أصحاب القرار الأمريكي أولاً، والروس ثانياً.

وأعرب عن اعتقاده بأن الإعلان عنه بات قريباً، خصوصا أن طلاس كان قد أجرى زيارة سرية لموسكو.

وكشف المتحدث عن قيام التجمع بجمع تواقيع أكثر من 1200 ضابط منشق، دعما لترشيح العميد طلاس لقيادته.

ارتباك المعارضة

ما يربك المعارضات السورية عموماً، هو غموض المعلومات حول تشكيل المجلس العسكري، وحول مصدر المبادرة، ومن يؤيدها، ومن يعارضها، وتكاثرت التساؤلات لديها، هل المشروع مشروع روسي أم فرنسي؟.

وهل تم طرحه بموافقة ضمنية أمريكية؟.

وما هو موقف كل من روسيا وتركيا وإيران من فكرة تأسيسه؟.

وهو ما يعكس حالة تشير إلى أن معظم المعارضات خارج حالة الفعل، وانها أصبحت تنتظر المشاريع الخارجية منذ تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في نهاية عام 2012، وصولا إلى تأسيس الهيئة العليا للتفاوض في كانون الأول 2015 الذي كلفت به الرياض عشية اجتماعات فيينا، والهيئة العليا بنسختها الثانية التي تشكلت في تشرين الثاني 2017.

إضافة إلى مسار أستانا الذي فرضته تركيا على فصائل المعارضة السورية التابعة لها مطلع عام 2017، الذي انعقدت جولته الـ 15 قبل أيام دون نتيجة تذكر، سوى تكريس خسائر المعارضة بعد تجميد القتال في مناطق خفض التصعيد، وهزمت الفصائل في ثلاث منها وخسرت نصف المنطقة الرابعة في إدلب وما حولها، بعد هجومي ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي.

جديد الفكرة

في ظل الواقع الراهن، نشطت في الأشهر القليلة الماضية اتصالات بين بعض القوى في الخارج من أجل تشكيل “مجلس عسكري” يضم ضباطاً من المنشقين عن النظام، إضافة إلى آخرين من الجيش، ليشرف على القطاعات العسكرية، ويبدأ بدمج ميليشيات سورية في الجيش.

وجديد هذه الفكرة التي سبق أن طرحت عدة مرات قبل سنوات، ما نقلته وكالات الأنباء عن أحد المقربين من العميد المنشق مناف طلاس أن الاتصالات قطعت شوطاً في “إعداد مشروع وطني لقيادة سوريا سيبصر النور قريباً”، وجرت مناقشة الأمر مع “الدول الصديقة”.

وشاعت تسريبات في الأسابيع الماضية عن أن المجلس العسكري سيكون له دور في المرحلة الانتقالية في سوريا.

كما ذكرت التسريبات أن مبادرة طلاس تلقى دعماً من دول أوروبية، على أمل أن تقبل بها موسكو، لأنها باتت على قناعة بأن فوز الأسد بولاية رئاسية جديدة ليس المخرج المطلوب من الأزمة في ظل استمرار انتهاك السيادة السورية من القوات التركية في الشمال، ومن الحرس الثوري وحزب الله والميليشيات الموالية لإيران في الجنوب وبعض مناطق الشرق.

كما أن الأزمة المعيشية والاقتصادية التي تعيشها البلاد مرشحة للتصاعد خلال الولاية الجديدة للأسد، الذي لم تستطع إدارته للأمور التخفيف من وطأتها على السوريين الذين أفادت إحصائية دولية العام الماضي أن 83% منهم باتوا تحت خط الفقر.

شروط روسية

حرصت الدبلوماسية الروسية على ظهور مؤشرات إصلاحية في الدستور السوري قبل استحقاق الانتخابات الرئاسية، لإضفاء نوع من الشرعية على نتائجها أمام الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لتشكّل أساساً للتفاوض مع الغرب على مواصلة خطوات الحل السياسي الذي يحتاج إلى تمويل دولي لإعادة الإعمار، حيث لا تملك روسيا الإمكانات المالية لإعادة إعماره.

وذكرت التقارير أن روسيا وافقت على ترشح الأسد للانتخابات الرئاسية المقبلة خلال زيارة وزير خارجيته فيصل المقداد إليها.

ولكنها وضعت بعض الشروط قبل موافقتها، منها تمكين مرشحين آخرين للمشاركة في هذه الانتخابات.

وإلغاء شرط الإقامة في سوريا لعشر سنوات قبل الترشح، وشرط موافقة 35 عضواً من مجلس الشعب على طالب الترشيح.

وأشارت التقارير إلى رغبة روسيا في أن تكون نتيجة فوز الأسد منطقية لتتمكن من إعادة ترويجه كرئيس شرعي.

ورغبتها في أن يقوم الأسد بعد فوزه بتخفيض صلاحياته، وإجراء إصلاحات جدّية وملموسة.

الفيلق الخامس نموذجاً

جرت تسريبات مفادها أن العميد طلاس يسعى للحصول على موافقة القيادة الروسية على نقل بعض الصلاحيات العسكرية من الرئيس السوري بعد إعادة انتخابه، إلى المجلس العسكري بعد تأسيسه، على غرار نموذج الفيلق الخامس الذي أشرفت روسيا على إنشائه قبل سنوات، وضم ضباطاً موالين للنظام، مع ضباط منشقين عادوا إلى كنف الجيش واندمجوا في وحدات هذا الفيلق، في إطار المصالحات التي أشرفت عليها قاعدة حميميم الروسية.

وبات بعض ضباط هذا الفيلق يسهمون في تهدئة المناطق التي يسودها التوتر، ويواجهون التمدد الإيراني على الأرض.

وفي هذا السياق، يقول بعض المعارضين إن توحيد التشكيلات العسكرية السورية غير المتهمة بالإرهاب، والجيش النظامي باستثناء الذين تلوثت أيديهم بالمجازر، واحد من شروط تطبيق القرار 2254 الذي ينص على توحيد الأجهزة العسكرية والأمنية، وتحديد صلاحياتها.

ويعتبرون أن تأسيس المجلس العسكري خطوة على طريق استعادة الاستقرار في البلاد.