لكل السوريين

هل منعت روسيا سقوط النظام أم سقطت معه؟!

اياد الخطيب

ستة أعوام على التدخل الروسي المباشر في الملف السوري والانخراط بالأعمال العسكرية والقتالية.

ماذا حققت من نتائج على الأرض ولماذا لايزال الوضع السوري يزداد سوءًا، لا يخفى على أحد عمق العلاقات الروسية السورية مع نظام البعث منذ زمن حافظ الأسد إلى يومنا هذا، علاقات اتسمت بالاستراتيجية في كل المجالات ولكن لم يتوقع أحد أن تأخذ كل هذا البعد الذي أدى إلى الانخراط المباشر بما يحدث على الأرض.

سبق لروسيا أن تخلت عن كثير من حلفائها الاستراتيجيين سابقاً حيث وقفت عاجزةً أمام ما جرى في العراق وأفغانستان وليبيا حتى أنها تخلت عن نظام بشار الأسد نفسه عام 2004 حين صدر القرار الدولي 1559القاضي بإنهاء التواجد العسكري السوري في لبنان وأيضاً القرار الذي تلاه 1595 الذي نص على تشكيل لجنة تحقيق دولية في ملف اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري.

ما جرى بالفعل هو تنبه بشار الأسد لأهمية الغطاء الدولي الذي تعطيه روسيا لنظامه وسعى حينها لتوطيد علاقاته بعدة زيارات تخللها العديد من القرارات والمواقف بما يخص ملف الديون والغزو الروسي لجورجيا 2008

وقد اتخذت روسيا موقفاً مؤيداً للأسد منذ بداية الحراك الثوري ضده ,وحالت دون صدور أي قرار عن مجلس الأمن الدولي يدين العنف الذي استخدمه ضد المتظاهرين ,وتبنت كافة روايات النظام بما يخص الحراك الثوري والمعارضة وما زاد في تعزيز المواقف الروسية الداعمة للأسد هو ظهور حركات مسلحة تتبنى الإسلام الراديكالي والتي تعتبر مبعث قلق لروسيا حسب ما جاء على لسان وزير خارجيتها ويهدد توازنات القوى في الشرق الأوسط ,إضافة لخشيتها من تعاظم الدورين الإيراني والتركي في سوريا الأولى في دعم النظام والثانية في دعم المعارضة المسلحة .

بالعودة إلى للوراء نجد موقف روسي تاريخي من الشغب السوري، إبان الثورة البلشفية 1917,حيث أظهر قادة الثورة موقفاً مشرفاً تجاه شعوب المنطقة، ورفضوا أن يكونوا سلطة احتلال في هذه الجغرافيا وفق اتفاقية سايكس بيكو، وقرروا وقوفهم ودعمهم لقضايا الشعوب.

في الحقيقة كان من المفترض في التدخل الروسي الأخير في الشأن السوري تكريس هذا المفهوم الذي بدأ مع الثورة البلشفية.

مع بداية التدخل الروسي المباشر  2015  تحت ذريعة وجود قوى إرهابية في صفوف المعارضة ,ومنع سقوط النظام السوري حيث عبر عن ذلك حينها وزير الخارجية الروسي  ,ولكن بنظرة تحليلية سرعة للأحدث نستطيع تثبيت بعض النقاط المتعلقة بالتدخل الروسي ,ومنها تركيز روسيا في بداية تدخلها على المناطق الاستراتيجية ,مثل حلب ودمشق وقواعدها في اللاذقية وطرطوس, والطرق الدولية m4,m5 وترافق مع تدخلها تعاظم لدور القوى الإرهابية ممثلة بداعش شرق الفرات حيث بسطت الأخيرة سيطرتها على الكثير من المناطق منها دير الزور الحسكة الرقة الطبقة منبج وصولاً إلى كوباني لم نجد حينها أي دور لسلاح الجو الروسي بل كان جل تركيزها على حلب وريفها ووقفت موقف المتفرج من انتشار الإرهاب في مناطق شرق الفرات ,وتركت شعوب المنطقة هناك تواجه هذا الإرهاب بمفردها إلى أن تدخلت قوات التحالف الدولي  ,ولم ينتهي الأمر هنا بل أسست روسيا مع إيران وتركيا مساراً تفاوضياً جديداً “أستانا ” للعمل على حل بعض القضايا ولن أطيل الحديث عن هذا المسار ومؤتمراته الكثيرة ,والتي لم تأخذ الشكل الرسمي كمخرجات بل طبقت مخرجاته على الأرض وكانت كارثية .

ويحسب على روسيا أيضاً انسحاب قواعدها 2017 من عفرين، تلاها مباشرة غزو تركي همجي على المنطقة خلف آلاف الضحايا وأدى إلى سقوط المنطقة بيد قوات الاحتلال التركية وتشريد مآت الألاف من سكانها وكل هذا على مرآي ومسمع روسيا حيث أخذت دور المتفرج من الاعتداء على الدولة التي تزعم حمايتها.

نفس المشهد والصمت تكرر حين هاجمت تركيا منطقة تل أبيض وراس العين واحتلتهما إلى أن قررت روسيا والنظام السوري نشر قوات على امتداد خط m4   ولكن إلى الآن لم يمنع وجود هذه القوات انتهاكات الدولة التركية ومرتزقتها من قصف متواصل على المناطق المدنية والاعتداءات المتكررة على المنطقة.

بتقييم سريع للمواقف الروسية بعد انطلاق مسار أستانة نجدها مواقف مخيبة لآمال الكثير من السورين, إذ يعتبر هذا المسار عراب التغيير الديموغرافي الذي حصل بالكثير من المناطق السورية ,وظهرت فيه روسيا بموقف المقايض واتبعت أسلوب الابتزاز أحياناً لتظهر الآن وكأنها قوة احتلال ,وانتداب في سوريا حيث همشت دور النظام السوري, وسلبت جميع قرارته ولم تشركه حتى في مفاوضات أستانا وسوتشي , ناهيك عن تفاخر الجنرالات الروس كنوع من الدعاية لما استخدموه من أسلحة فتاكة ومتطورة  في سوريا ,وكل هذا لا يليق بدولة عريقة تأسست من ثورة شعبية, وحملت شعار دعم الشعوب في التحرر .

حقيقة روسيا استطاعت منع سقوط النظام السوري لكنها سقطت معه أخلاقياً وسيبقى هذا محفوراً في ذاكرة شعوب المنطقة كلها.