لكل السوريين

الصراع الروسي الإيراني على سوريا

صالح مسلم

بعد أن جعل النظام بتصرفاته وعجزه عن التعامل مع الظروف الدولية المتغيرة، وطننا السوري مشاعاً لكل القوى الدولية والإقليمية تكاثف الوجود الإيراني وزاد النفوذ الروسي إلى درجة الصراع بينهما على الأرض السورية، وكلاهما مؤيدان للنظام السوري، بالطبع إلى جانب العديد من القوى الأخرى المتدخلة.

النظام الإيراني قوة إقليمية له أطماعه ومشاريعه التوسعية على مجمل منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد الثورة الإسلامية التي حدثت عام 1979، وكان صديقاً بل وحليفاً للنظام السوري منذ ذلك التاريخ إلى درجة أن النظام السوري لعب دور الوسيط في الصراع بين إيران والخليج العربي، وعند غزو صدام للكويت وقف ضد العراق ولم تتضرر علاقاته مع إيران. بل زادت وشائجهما الطائفية وتداخلهما في المواقف الإقليمية مثل محور المقاومة والتصدي للصهيونية وما إلى ذلك من شعارات تلهب مشاعر وعاطفة شعوب المنطقة.

روسيا الاتحادية أيضاً وريثة الاتحاد السوفييتي قوة عالمية عظمى ولها علاقات متجذرة تاريخياً مع سوريا، ولكن تلك العلاقات تضعضعت مع التغييرات التي حدثت في الاتحاد السوفيتي بعد البروسترايكا والغلاسنوست وتحولها إلى الاتحاد الروسي الذي تخلى عن مبادئ الاشتراكية وتحول إلى دولة رأسمالية بشركاتها وتجارة الأسلحة وتوسيع التجارة باحثة عن مكان لها في السوق العالمية. وعلاقات روسيا مع النظام السوري لم تنقطع بل تواترت بين الصعود والهبوط إلى ما قبل التدخل العسكري المباشر بناء على الجهود التي بذلتها إيران من خلال “قاسم سليماني” عندما كان النظام السوري على وشك السقوط في أيدي الجهاديين والسلفيين، حسب ادعاء كل من روسيا وإيران.

من دون الدخول في التفاصيل المعقدة والإيديولوجية. الآن هناك صراع خفي أحياناً وعلني أحياناً أخرى بين كل من إيران وروسيا على موارد سوريا وثرواتها وبسط النفوذ. بعض المسؤولين الإيرانيين صرحوا بأنهم صرفوا أكثر من ثلاثين مليار دولار وعليهم أن يستعيدوا هذا المبلغ، وعقدت شركات إيرانية عقوداً مديدة الأجل لاستثمار حقول نفط في حمص وديرالزور مثلما تستثمر المليارات في مشاريع سكنية في داخل دمشق وأحياءها والغوطة وتهدف إلى الاستثمار والتغيير الديموغرافي في الوقت نفسه. كما تعمل على التشيع لدى السوريين وتنظيمهم. أي أن ما تقوم به إيران لا ينحصر في الجانب الاقتصادي فقط، وإنما تستهدف بنية المجتمع السوري وديموغرافيته.

روسيا أيضاً لم تتدخل لأجل سواد عيون النظام أو السوريين، فهي أيضاً أرادت أن تكون سوريا قاعدة متقدمة لها كما كانت سابقاً في العهد السوفييتي، ثم فتح الباب أمام استثمارات شركاتها الاقتصادية والصناعة العسكرية، فكم من قادة عسكريين روس تبجحوا بتجارب أسلحتهم وقدرتها التدميرية في سوريا، بالإضافة إلى عقود الاستثمار لحقول النفط والغاز في حمص ودير الزور والبادية السورية، وأخيراً حق الاستثمار في غاز شرق المتوسط. ناهيك عن الاستثمارات في مشاريع سياحية وعمرانية في دمشق والساحل السوري، بما في ذلك محطة الحجاز التاريخية في قلب دمشق.

والسؤال المشروع الذي يجب أن يطرحه كل سوري هو: أين نحن الشعب السوري من كل ذلك؟  وإذا كان هذا هو حال أصدقاء السوريين كما يدعون، فماذا ستكون أفعال الأعداء الذين لديهم مشاريع الاقتطاع والإلحاق؟ أليس بيننا عقلاء يتابعون كل ما يجري بحق وطننا السوري؟ فإذا لم يكن لدينا من يرى ويدرك ما يجري فهي كارثة، أما إذا كان هناك من يتابع ويدرك ما يجري ولا يحرك ساكناً فهي كارثة أكبر.

خلاصة القول، أولاً: النظام السوري عجز ولا زال عاجزاً عن إدارة شؤون البيت، وما يجري لسوريا هو نتيجة لهذا العجز. ثانياً: الشعب السوري بكل مكوناته هو الذي يدفع فاتورة هذا الدمار والتخريب والقتل راهناً، ويرهن مستقبل أجياله القادمة للآخرين واستغلالهم. ثالثاً: لقد حان الوقت بل وتأخرنا كثيراً في أن نجلس نحن السوريون من كل المكونات مع بعضنا البعض ونتفاهم بإخلاص فيما يجب القيام به بعيداً عن أية إملاءات خارجية.

الحوارات التي جرت حتى الآن لم تثمر بسبب التباعد في الأفكار، وعدم الاهتمام بدوافع كل مكون واحترامها، وعدم التخلص من الإملاءات الخارجية. وأعتقد أن أمنية كل سوري شريف هي أن يستمر الحوار ليتم التخلص من المواقف السابقة. فهل نحن السوريون نليق بسوريا حرة ديموقراطية يشعر فيها كل فرد وكل مكون بالحرية والديموقراطية ويفتخر بانتمائه السوري؟