لكل السوريين

العلاقات بين أنقرة ودمشق.. مسار متعثر ومصير مجهول

على هامش اللقاءات العسكرية بين كل من حكومة اردوغان ومسؤولون في حكومة دمشق، تحدث كلا الطرفين عن قمة مرتقبة بين الرئيسين بوساطة عراقية، بهدف تحقيق مصالح الدول المتنافسة على حساب الشعب السوري.

وتعتبر هذه التفاهمات التي تصب بمصلحة جميع الدول الداعمة لهذا المشروع البعيد عن مصلحة الشعب السوري، ولن يحقق أي نتائج مرتقبة بل يزيد من تأجيج الواقع السوري ونشر الفوضى بشكل أوسع.

ومن غير المتوقع أن ينجز تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق خلال المدى المنظور على الأقل، في ظل المعطيات الحالية، حيث ما زالت روسيا تساهم في تسيير الوضع السوري الرسمي رغم انشغالها بحرب أوكرانيا، وما زالت المنافسات والمناكدات قائمة بينها وبين إيران التي تتحكّم في قرارات دمشق السياسية والعسكرية، حيث لا تتوافق موسكو مع كل طموحات وتحركات طهران في المنطقة، وما زال نظام دمشق يعيد إنتاج نفسه، دون وجود مؤشرات على أي تغيير سياسي تطالب به المعارضة السورية ومعظم دول العالم.

وشهدت العلاقات بين تركيا وسوريا تقلبات كبيرة خلال العقد الماضي، حيث تأثرت بتطورات الحرب في سوريا والصراعات الإقليمية، ثم بدأت ملامح التقارب بينهما بالظهور، مما يثير تساؤلات حول دوافع هذا التقارب والتحديات التي قد تواجهه.

مصالح متباينة وعقبات

في ظل التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة، تأتي محاولات تركيا وسوريا لتطبيع العلاقات بينهما كجزء من هذه التحولات، لكن أنقرة ودمشق تتحدثان بلغتين مختلفتين فيما يتعلق بهذا التطبيع، مما يعكس التعقيدات والتحديات التي تواجه هذا المسار.

حيث تتحدث أنقرة عن تطبيع العلاقات من منظور استراتيجي وأمني وتسعى لضمان استقرار حدودها الجنوبية وعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.

بينما تتحدث دمشق عن تطبيع العلاقات من منظور سيادي وتسعى إلى استعادة الشرعية الدولية بعد سنوات من العزلة، وترى في تطبيع العلاقات مع تركيا خطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف، على أن يحترم سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ووقف دعم تركيا لفصائل المعارضة.

ويواجه تطبيع العلاقات بين البلدين عقبات عديدة يشكّل وجود القوات التركية في شمال سوريا إحدى هذه العقبات، حيث تعتبرها دمشق قوات احتلال وتطالب بانسحابها الكامل.

ومن جهة أخرى، تواصل تركيا دعم بعض الفصائل العسكرية والسياسية المعارضة، مما يعقد جهود بناء الثقة بين الجانبين ويضع العقبات أمامها.

ويمثل الوضع الإنساني واللاجئين إحدى هذه العقبات، حيث ترغب تركيا في إنشاء منطقة آمنة داخل سوريا لعودة اللاجئين، وترفض دمشق هذه الفكرة وتعتبرها تدخلاً في شؤونها الداخلية.

ورغم هذه العقبات، شهدت الفترة الأخيرة بعض الجهود الدبلوماسية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وعقدت للغرض ذاته لقاءات على مستويات مختلفة بين مسؤولين اتراك وسوريين.

استئناف اللقاءات

ذكرت صحيفة “أيندليك” المقربة من حزب الوطن اليساري التركي، أن اللقاءات الأمنية بين الجانب التركي والسوري استؤنفت، وعقد لقاء أمني جديد في قاعدة حميميم بوساطة روسية.

وفي شهر حزيران الماضي، عقد وزير الخارجية التركي حقان فيدان مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة دول بريكس، وناقشا الملف السوري مرة أخرى.

وفي الأشهر الأخيرة، بدأت تركيا وسوريا خطوات نحو التقارب الأمني والسياسي بعد قطيعة استمرت منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011, وفي الشهر الأخير من عام 2022، عقد اجتماع ثلاثي في موسكو ضم وزيري الدفاع التركي والسوري إلى جانب نظيرهما الروسي، لبحث سبل حل الأزمة السورية في إطار أمني وسياسي شامل​​.

ويرتبط التقارب بين أنقرة ودمشق بعوامل عديدة، أبرزها مستقبل الوجود الأميركي في المنطقة وما إذا كانت واشنطن ستقرر استمرار وجودها شمال شرقي سوريا بعد الانتخابات الرئاسية، أو إعادة انتشار قواتها، ومدى تنسيق ذلك مع أنقرة، إضافة إلى استعداد دمشق للعمل المشترك مع أنقرة وقبولها للدور التركي كوسيط في الملف السوري.

احتقان ودود أفعال

وفي أطار استمرار المباحثات وتصريحات لرأس النظام التركي اردوغان، وجاهت موجة كبيرة من الاحتقان الشعبي والانفعال الكبير، إذ يعرب الأهالي من سكان محليين ونازحين ومهجرين في مناطق متفرقة من مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا عن رفضهم القاطع للعودة إلى ما قبل العام 2011، والتطبيع مع النظام بعد 13 عاماً من القتل والتهجير والاعتقالات وشتى أشكال الويلات التي أذاقتها الحكومة والميليشيات الموالية له إلى جانب روسيا للشعب السوري.

ويشدد سكان الشمال السوري على رفض التطبيع مع النظام وإعادة تعويمه من جديد تماشياً مع مصالح “أردوغان”، الذي ساهم من خلال الاتفاقيات السابقة مع الجانب الروسي في تهجير مئات آلاف السوريين إلى الشمال السوري حيث مخيمات النزوح وسوء الواقع المعيشي، وإعادة سيطرة الحكومة على أجزاء واسعة من الأراضي السورية.

وخرجت مظاهرات شعبية في كل من إدلب ومناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا رفضاً لعودة العلاقات بين النظامين مؤكدين رفضهم المصالحة مع النظام بأي شكل من الأشكال، وهتف المتظاهرون ضد سياسة أردوغان القائمة على تقديم مصالحه وخداع السوريين بالشعارات والخطوط الحمراء التي حددها للنظام خلال تصريحاته في السنوات الأولى من عمر الثورة السورية.